مبادئ إنسانية

توكل على الله من كل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد

6 مبادئ إنسانية

توكل على الله من كل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد

ماذا نفعل حين يتحتم علينا اتخاذ قرار هام؟

دخل تشارلز سبرجن وهو رجل إنجليزي تقي عاش في الثلثين الأخيرين من القرن الماضي 1834/1896م دخل حجرته في مساء يوم من أيام الشتاء خلع ملابسه وأرتدي ثياب النوم وقبل أن يخلد إلى النعاس أيقظه هاجس قوى وصوت داخلي يقول قم ألبس ثيابك وأخرج إلى الطريق ودهش الرجل إذ كان قد حضر لتوه من الشارع بعد أن أتم برنامج اليوم الطويل ولم يكن هناك مبرر معقول للنزول في مثل هذه الساعة المتأخرة من ليلة شتوية باردة

وتردد الرجل قائلا وانتظر ليستوثق من الدعوة الغامضة التي فاجأته بالليل فتردد الصوت في أرجاء نفسه واضحا قويا لا يمكن تجاهله أو تحديه

وقام تشارلز فوضع ثيابه وارتدى معطفه الثقيل وحمل قبعته وعصاه ونزل إلى الشارع الخالي في سكون الليل وفي الظلام والسكون استسلم الرجل للصوت المرشد وترك قيادته للهاتف الداخلي سار حتى نهاية الطريق ثم انحرف يمينا فيسارا ثم عرج إلى الشوارع الضيقة في أطراف المدينة وتقدم من شارع إلى شارع ومن منزل إلى آخر حتى توقف أمام بيت صغير وقال الصوت الداخلي تقدم وأدخل البيت فدخل وقال الصوت أصعد إلى الطابق العلوي ففعل وقال الصوت أطرق هذا الباب فطرق الباب وانتظر قليلا

ولك أن تتصور ما يمكن أن يدور في داخلك لو أنك كنت في مكان هذا الرجل في تلك اللحظات الحرجة فماذا عساك تقول لمن يفتح الباب

ومرت الدقائق بطيئة ثقيلة مليئة بالقلق والإثارة ثم انفتح الباب عن شاب في مقتبل نظر في دهشة شديدة إلى زائر الليل وتبادل الاثنان نظرات حائرة واستفسارات لم تنطق بها شفاههما ثم لم يجد الشاب بدا من دعوة ضيفه للدخول كما كانت تقضى تقاليد القرن التاسع عشر

وفي مقعد قريب من الباب جلس سبرجن وجلس أمامه الشاب الذي بدا عليه الاضطراب والتعب الشديدان

قال زائر الليل: سامحني على حضوري في هذا الوقت المتأخر فقد جئت إليك برسالة عاجلة من السماء لا أعلم يقينا وجه الاستعجال فيها ولماذا لم تنتظر إلى الصباح يقول الله أنه يحبك وقد أيقظني بهذا

وأطرق الزائر قليلا قبل أن يرفع رأسه ليجد الشاب غارقا في دموعه

قال الشاب يا والدي يؤسفني إنني أزعجتك وأزعجت السماء في مثل هذا الوقت فقبل أن تطرق الباب كنت قد علوت المنصة التي أعددتها في غرفة النوم ووضعت الحبل حول رقبتي ولم يبقى سوى لحظة الصفر التي كانت تنتظر عند أطراف قدمي التي كنت مهيأة لركل الكرسي الذي كنت واقفا عليه حين طرقت الباب يا سيدي كنت أنا أطرق باب الموت بعد أن فقدت كل شيء وظننت أن الله قد نسيني إذ لم يكن صوته واضحا لي قبل هذه اللحظة

قال سبرجن: يا ولدي إن صوت الله واضح دائما لمن يصغى إليه ولا بد أنه قال لك الكثير لكنك لم تنتبه فأرسلني إليك

قد تبدو هذه الحادثة غريبة علينا نحن أبناء التردد والحيرة والقلق الذين تتفتت إرادتنا عند مفارق الطرق وتمزقنا الصراعات عند كل منعطف في سبل الحياة المتشعبة

ونحن نتعرض يوميا لأحداث تستلزم اتخاذ قرار أو اختيار سبيل أو تحديد موقف وقد لا تكون بعض هذه القرارات ذات أهمية كبرى ولكن البعض الآخر قد يكون له أثر خطير في تغيير مجرى حياتنا أو تحديد مصائرنا وفي مثل هذه الحالات فد يصيبنا القلق والحيرة ما لم تكن الحقائق بادية ظاهرة جلية

فماذا نفعل عادة حين يتحتم علينا اتخاذ قرار عام؟

نعتمد على أفكارنا

يتخذ بعض الناس قراراتهم بعد فترة يقضونها في تفكير عميق يتناولون فيها بالتحليل والتمحيص كل الاحتمالات والتوقعات ويدرسون بالأرقام حسابات المكسب والخسارة وهو موقف يعكس التفكير العلمي المبني على العقل والثقة بالنفس

أو نتمثل بمن سبقونا

ويلجأ آخرون إلى التمثل بغيرهم ممن اجتازوا في نفس الظروف أو تعرضوا لذات الموقف فيتخذون نفس مسارهم باعتبار أن ما نعرفه خير مما نجهله وتجارب السابقين خير طريف للاحقين وفي ذالك قيل لسقراط كيف يجد الإنسان هداية ورشدا؟ فقال بإتباعه طريق السالفين

وقد نسترشد بآراء الأصدقاء

وهذا أول ما يتفق عنه ذهن بعض الناس قبل اتخاذ قراراتهم فتراهم يسرعون فورا إلى استشارة المقربين وينتقلون بقضاياهم من صديق إلى صديق يناقشونه ويستلهمون آراءه ومقترحاته وقد يصلون بعد ذالك إلى رأي واحد فيستريحون وقد تتضارب الآراء فيزيدون الأمر تعقيدا ويجعلون اتخاذ القرار أكثر صعوبة مما كان عليه

وقد نحتاج إلى إلقاء القرعة

وهي حيلة المتحيرين والحل الأخير حين تتساوى الكفتان فلا يجدون ما يرجح رأي على رأي أو قرار دون سواه وقد تكون القرعة صالحة في بعض الأحيان سيئة في كثير من الأحايين فهي فضلا عن كونها حيلة العاجزين فإنها تبعث على التشكك ولا تعطي الإحساس باليقين وصلابة الاختيار وقد تدفع الإنسان إلى شرك التفصيل بين أمرين كلاهما سيئ أو الاختيار بين صالح واضح وسيء خفي وهو ما لا ينبغي أن يخدع به العاقل الحكيم

وربما نقع في المحظور

وقد تبلغ الحيرة بالبعض مبلغا يجعلهم يلجئون إلى وسائل خاطئة كمناجاة الأرواح أو قراءة الكفل و الفنجان أو التردد على الدجالين والمشعوذين وهي وسائل لا تقف عند عجز العقل بل وتعمل في غيبته ولنا أن نحكم كيف ينجح بلا عقل من فشل وهو بكامل عقله و إرادته في تقرير مصيره

ويتمسك البعض بإرشاد الله وإرادته

قالت إحدى السيدات: لم أشعر يوما بالحيرة وأنا أواجه لحظات تقرير المصير ولم أتخذ قرارا في حياتي دون أن أكون على يقين من أنه أفضل قرار لأنني أترك الاختيار لروح الله الذي يوجهني دائما بصورة خارقة إلى الطريق الصحيح

والواقع الذي أختبره الكثيرون هو أن الله بحكمته الفائقة وعلمه الشامل ورؤيته لخفايا الأمور ومعرفته بأحداث الغد التي لا تزال في حكم الغيب بالنسبة لنا هو القادر وحده أن يرشدنا إلى القرارات التي تجنبنا المكاره وتحقق لنا الخير

ولقد عرف الكثيرون طريقهم وساروا بإرشاد الله في خطوات ثابتة في مختلف قرارات حياتهم وهذا ممكن لنا تماما كما كان لغيرنا

ولقد جهل الكثيرون أيضا إرادة الله لهم فتعرضوا للفشل والقلق والضياع وهذا لا يمكن أن يكون مصيرنا أيضا كما كان لغيرنا فعلينا أن نحذر وأن نتعلم

إننا لا نسمع صوت الله لأننا لا نصغي إليه وحده ولا نرهف الحس فيضيع الصوت الرقيق الهادئ بين أصوات رغباتنا الصارخة

وقد لا نفهم قصد الله لأننا نعتمد على أفكارنا أو أفكار الناس ونتخذ من البشر حولنا نماذجا للسلوك

ونحن نضل طريقنا لأننا غير مستعدين للطاعة والقبول قلقون متسرعون

القرار الأهم في حياتنا

قد يكون في حياة الإنسان قرارات هامة في محيط الدراسة أو العمل أو العاطفة أو البيت ولبعض هذه القرارات تأثيرات خطيرة في حياة المرء فهي تقوده إلى حياة ناجحة موفقة أو تنحدر به إلى حياة شقية

ولكن أهم قرارات الإنسان هي تلك التي لا تقف عند حدود حياته الأرضية بل تتعداها إلى مستقبله في الحياة الأخرى

ولقد كان من نعمة الله وفضله أن أعطى  الإنسان عقلا يدرك به وجعل في قلبه شوقا لمعرفة طريق الحياة والخلود ولا يتوانى الله سبحانه وتعالى في دعوة الإنسان وتعريفه وتعليمه ونصحه وتوجيهه بمختلف الطرق والأساليب مستخدما أحداث الحياة المختلفة ووسائل الكون بجملتها فليس أعز على قلب الله من رجوع التائب إليه فالإنسان أغلى ما في الكون ومن أجله تتحرك الدنيا وما عليها

ومع أن الله يحب الإنسان ويدعوه فإنه ترك له اتخاذ القرار بشأن تسليم الحياة لله أو إضافة الحياة في الخطيئة والشر

ويظل باب الله مفتوحا لمن يتخذ القرار أهم قرارات الحياة

صرخة إنسانية

يا رب

أعترف لك بأنني  تخبطت كثيرا في قرارات

 مادية استلهمتها من رغباتي وشهواتي

واعترف لك بأنني جنيت ثمار قراراتي ألما

 ومرارة ومازال يجنيها معي كل الذين

يتضررون من أنانيتي وطيشي

وأعترف بأنني أول من توخزه الأشواك

التي أزرعها ولكن أوجعها لي شوكة البعد عنك

فها أنا أتي إليك طالبا غفران خطيئتي

 وقبول توبتي حتى يرتفع عن عيني

 الضباب ورأي خطتك في حياتي وأسمع

 صوتك الهامس لي قبل أن أتخذ أي قرار يتعلق

 بي أو بالآخرين من حولي

أكشف عن روحي ظلمة الجهل ولينير

روحك القدوس طريق خلاصي وحريتي

وحياة الخلود في رحابك

يا رب

توكل على الله من كل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد
توكل على الله من كل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟