مبادئ إنسانية

أحلى أنواع الفشل

16 مبادئ إنسانية :

هناك قوة علوية قادرة أن تنتشلنا من أعماق الفشل

أحلى أنواع الفشل

وحين تشرق شمس اليقين في داخل الإنسان الساقط الفاشل فإنه يدرك أنه قد مارس أحلى أنواع الفشل الذي يقود إلى النجاح

كان شاطئ البحر خاليا تقريبا من رواد الصيف إذا كان الوقت مبكرا ولمك يكن موسم الاصطياف قد بلغ ذروته فضلا عن أن هذه البقعة من الشاطئ المديد لم تكن محببة للكثيرين

وحين لمست قدماي رمال الشاطئ في ذالك الصباح لم أر سوى بضعة رجال يجلسون على الرمال ومثلهم يسبحون في الماء ولكن كثيرا من الغرباء كانوا يجلسون في أحد المقاهي القريبة من الكورنيش

ولا أعلم إن كنت أنا أول من التقط صرخة الاستغاثة التي انبعثت من قلب الموج على مسافة بعيدة من الشاطئ أو أن الكثيرين غيري قد سمعوا ما سمعت لكن ما أذكره جيدا أن الأرض انشقت عن عشرات الرجال الذين قفزوا في الماء وسبح بعضهم بكامل ثيابه في اتجاه  الغريق أما أنا فقد تيبست قدماي فوق الرمال وتصلبت عضلات جسدي وتمنيت لو أنني أجيد السباحة لأشارك في إنقاذ الرجل

وزاغ بصري بين جسد الغريق الذي أخذ يطفو ويخبو  وأجساد الأبطال الذين أخفقت جهودهم الواحد وراء الآخر في إنقاذه إذ كان الرجل يجذبهم إليه بقوة ويكاد يغرقهم  معه

ولعلكم تشاركونني الدهشة إذا اكتشفتم مثلما اكتشفت أنا أنه كان هناك عامل إنقاذ يجلس فوق منصة قريبة يرقب الموقف كله بتحفيز شديد دون أن يندفع إلى الماء مع أن هذا هو صميم عمله وهو بالقطع أكثر دراية به من كل المتطوعين

وقبل أن أهب إلى الرجل فألومه على تقاعسه وأستحثه على العمل إذا به يندفع في الماء كالسهم وفي لحظات خاطفة يعود حاملا الغريب إلى البر ويقوم بإسعافه

وأدهشني موقف الرجل لماذا يتوانى فيثير قلقنا وهو قادر على الإسراع؟

ولكن الرج فسر لنا موقفه فقال كنت أنتظر اللحظة المناسبة حين تخمد قوة الغريق ويتسلم لمصيره فكيف عم محاوله إنقاذ نفسه حينئذ أسرع إليه قبل أن يبتلعه الموج فأحمله سالما إن محاولة إنقاذه وهو لا يزال يضرب الماء تجربة فاشلة مصيرها الهلاك

القوة القادرة على إنقاذنا

إن قصة هذا الغريق تقدم تفسيرا روحيا عميقا لقصة الإنسان أي إنسان في أرضنا في محاولاته المتكررة لبناء علاقته الروحية بالله في  عالم مليئ بالعوائق المادية التي تحيط به من كل جانب

فنحن نولد في عالم واسع الأرجاء تتلاطم أمواجه وتتباعد شطئآنه وتتشعب بحوره ونحن نحاول أ،ن ندخله محمولين على عوامات من العزيمة والإصرار والثقة بالنفس

ومن البديهي أننا ونحن نصارع أمواج الحياة فإنها تلطمنا تارة فتقهرنا ثم نضربها نحن بأيدينا تارة أخرى ونعلو فوقها فنحقق انتصارات قليلة لكننا سرعانا ما نكتشف أن أيدينا قصيرة وأنفاسنا لاهثة وأننا لا نستطيع أن نعبر بحر الحياة بقوتنا المجردة بل نحتاج إلى قوة تحملنا وتعبر بنا إلى شاطئ الأبدية البعيد

هذه القوة ليست بالقطع قوة شركائنا الغرقي الذين يواجهون نفس مصائرنا وليست قوتنا القاصرة التي تتضائل أمام جبروت البحر الهائج

لكنها القوة العلوية القادرة على إنقاذنا والتي تسهر علينا وتتابع حركاتنا وتراقب اندفاعاتنا وراء شهواتنا وجنوحنا وراء رغباتنا ثم نسرع لنجدتنا في الوقت المناسب

الانتظار المحسوب

ومثلما رأينا في قصة الغريق فإن الله يراقب الإنسان وهو يتخبط في بحور الشر يستمتع بها ويتعذب فيها يعشقها فيندفع إليها ويملها فلا يستطيع الهروب من بين مخالبها ويظل الله سبحانه وتعالى يراقب الإنسان الشارد وهو يمارس حريته

وحين يدرك المرء خطورة مصيره فإنه يسعى جاهدا لإنقاذ نفسه فيضرب الماء بسواعد واهنة ويقفز فوق الأمواج بجسد مثقل فلا يستطيع الخلاص فقد أصبح البحر في داخله وامتلأ جوفه من مائه الثقيل

وحين تخمد محاولات الإنسان الفاشلة في إنقاذ نفسه من ثقل خطاياه حينئذ يتدخل الله لإنقاذه وانتشاله وخلاصه من الموت المحقق

إن فشل الإنسان هنا فشل محسوب وهو نوع من الإخفاق الضروري الذي يبصره بحقيقة ضعفه وعجزه وحاجته الشاملة لله واعتراف الإنسان بعجزه وفشله هو السلم الذي يصعد عليه إلى غايته وهي نوال الغفران الإلهي

محاولات الإنسان الفاشلة

يظن الكثيرون أنهم قادرون على إرضاء الله بأعمالهم وتحقيق نوع من السلوك الروحي الذي يؤهلهم للقبول عند الله

وهذا الظن يعكس جهلا بحقيقتين روحيتين إحداهما تتعلق بطبيعة الإنسان والأخرى بطبيعة الله سبحانه وتعالى

فالإنسان بطبيعته الأرضية منجذب إلى الشر ميال إليه غير قادر على هجره وارتباطه به مثل ارتباطه بجسده لا يقدر أن يخرج منه ولو كان كارها له ولذالك فإنه حين يحاول إرضاء الله بقوته وملكاته الحسية فهو كمن يظن أنه قادر على اعتلاء الجو كسائر الطيور مع أنه لا يملك الجناح

لذالك يفشل الإنسان وهو يحاول شراء رضى الله بأعماله أو تدينه أو سلوكه أو مثله العليا أو تضحياته إلى آخر هذه الماديات التي لا شأن لها بالمثول أمام الله

أما الحقيقة فهي  قداسة الله التي تحترق أماها كل الأعمال المادية والعبادات الشكلية محدودة في قوالب بشرية عاجزة

والإنسان لا يكف عن محاولاته الفاشلة ولكنه حين يخلو إلى ذاته ويصارح  نفسه بحقيقة نفسه يعلم أنه ترابي عاجز وأنه في أفضل درجات تدينه مجرد إنسان ساقط غارق في بحور الشر بعيد عن شاطئ الأمان

اختبار الخلاص الإلهي

وعندما يعلم الغريق أنه لا فائدة من محاولاته ويعترف بأنه مائت لا محالة حينئذ تمتد يد الله إليه لتفتدي نفسه لا على أساس استحقاقه للغفران والنجاة بل على أساس روحي هو رحمة الله المجانية التي يعطيها لمن يلجأ معترفا بعدم استحقاقه والذي يتخلى عن إحساسه ببره الشخصي ويطلب تبرير الله المجاني

وعند هذه المرحلة الحاسمة في حياة كل إنسان يكشف الله الظلمة عن عينيه الحياة ويغير الطبيعة البشرية العاجزة ويرتفع بالإنسان الساقط من هوة الخطيئة إلى أجواء الروح الطاهرة التي تعرف لغة المساء وتقدر أن تبنى علاقة مع الله على أسس سمائية مقدسة

 

وحين تشرق شمس اليقين في داخل الإنسان الساقط الفاشل فإنه يدرك إنه قد مارس أحلى أنواع الفشل الذي يقود إلى النجاح

صرخة إنسانية

يا رب

أعترف بفشلي وإخفاقي

لم تستطيع ذراعي أن تصل بي

إلى شاطئ الآمان

كل عبادتي وأعمالي

لم ترتفع بي فوق ظلام الليل

الكامن في أعماقي

والآن

فإني أغرق

فانتشلني

أًنع من فشلي درجات أصعد بها

إلى قمة غفرانك

اكشف لي طريق الخلاص

الذي يعتمد على عطيتك المجانية

لمن لا يستحق

وأعطني أن أضع قدماي

على الأساس الراسخ

الذي تسانده مواعيدك الصادقة

يا رب

أحلى أنواع الفشل
أحلى أنواع الفشل

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟