مبادئ إنسانية

اشتهيت غذاء لروحي

36 مبادئ إنسانية :

لا تتعلق بحبال قصيرة ذائبة

تعلق بحبال الخلود والأبد

في إحدى الممالك القديمة عاش حاكم شرير حياة مستهترة مع زوجته وثنية لا تقل عنه شرا وقسوة

وفي يوم من الأيام كان الحاكم يتجول في شوارع العاصمة فإسلفتت انتباهه حديقة خاصة يملكها أحد رعاياه الأثرياء الذي أقام مزرعة للكروم

وأعجب الملك بالحديقة الجميلة وتملك هذا الإعجاب الشديد على قلبه حتى طغى على كل شيء آخر وأشتهى أن تكون الحديقة امتداد لقصره فطلب إلى صاحبها أن يتركها له لكن الرجل رفض أن ينزل عنها فهي ميراث آبائه وعرق الجدود وجهدهم وهي مستودع ذكريات العمر

وعاد الملك إلى بيته حزينا آسفا وامتنع عن تناول الطعام ورقد في فراشه كما يفعل الأطفال حين يغضبون

واستفسرت الملكة عن سر حزنه فلما علمت أدهشها موقفه ووجهت له أشد اللوم لضعفه وعجزه وأسرعت فاستدعت بعض رجالها فكلفتهم بترتيب مؤامرة ضد صاحب الحديقة إنتهت باتهامه وإدانته والحكم عليه بالموت رجما بالحجارة

وما إن رفعت جثة الرجل حتى نزل الملك إلى الحديقة يتمشى فيه طرقاتها ويستمتع بها محققا شهوة قلبه في امتلاكها

لكن عدالة السماء لم تمهله ليجني حصاد جريمته فقد شاء أن يقتل الملك والملكة في ذات الموقع الذي قتلا فيه صاحب البستان

إن هذا الملك السامري يعتبر نموذجا للكثيرين الذين تتسلط عليهم شهوة التملك وتسيطر عليهم الرغبة في الاقتناء فلا يرون الخير الذي يعيشون فيه ولا يحمدون الله على ما بأيديهم بل يسعون برغبة محمومة لتحقيق الأهداف المادية التي تعلقت بها قلوبهم ولو أدى ذالك إلى هدم كل المبادئ والقيم وربما إلى السرقة والخداع والنصب أو القتل

ما أضعف الإنسان أمام أطماعه

 وما أشد ضعفه حين تلح عليه رغبته فتستعيد إرادته فيضحى بكل المبادئ والقيم في مقابل الحصول على ما تعلقت به نفسه الجائعة

والحق أن هناك أهدافا نبيلة تستحق أن نتعلق بها ونسعى لها ولكن الأهداف النبيلة تتحقق بأساليب نبيلة ولا تطغى على مقومات الحياة

الأهداف النبيلة لا تعتصر صفو الحياة ولا تقتل نضرتها بل تزيد العمر خضرة ورقة وجمالا

الأهداف النبيلة التي تستحق أن نتعلق بها في أعيننا ولا تجعل أيامنا كئيبة سوداء

إن التعلق بشيء يأخذنا من الحياة هو تعلق بالموت والفناء والضياع

الحاجة الرغبة الشهوة:

الحاجة هي أم الرغبة فقد يحدث أن تكون في الطريق في يوم حارق فتحس باحتياج لكوب من الماء المثلج وهذا الاحتياج يتحول إلى رغبة في الذهاب إلى أحد الأكشاك التي تبيع المياه الغازية فإذا وجدت جميع الأكشاك مغلقة زادت رغبتك وصعدت إلى مخيلتك صورة الزجاجة المثلجة وألحت عليك الرغبة فيها حتى  تشتهي الحصول عليها فالحاجة تلد الرغبة والرغبة تتحول إلى شهوة

وتبدو هذه الأحداث طبيعية للغاية فهي تبدأ باحتياج ضروري يتبعها رغبة شديدة ثم شهوة جامحة إنها ثلاثة أجيال متعاقبة من الأحاسيس الطبيعية

لكن هناك رغبات لا تأتي نتيجة احتياج بل هي وليدة الطمع

وهناك شهوات جامحة لا تمثل ضرورة حياتية بل هي وليدة النهم الشديد

فإذا رأيت شخصا أكل وشبع حتى الامتلاء ثم رأي طعاما محبوبا له فعاد يأكل فماذا تقول عنه من المؤكد أن رغبته في الطعام ليست ابنة لاحتياجه بل هي رغبة مريضة وشهوة قاتلة

الشهوة الاشتهاء التعلق

يتدرب بعض الناس على الاكتفاء بحاجاتهم الضرورية فإذا ما حصلوا على ضروريات الحياة طابت نفوسهم واكتملت سعادتهم

لكن أغلب الناس لا يكتفون بالحصول على احتياجاتهم فقط بل يغذون رغباتهم بكل ما يرونه حتى تصبح تلك الرغبات كالابن المدلل الذي يطلب كل شيء ثم تتحول هذه الرغبات في داخلهم إلى وحش مسيطر لم يستأنس إلى شهوة جامحة تتملك النفس وتسيطر عليها

والشهوة تسكن وتهدأ بالإشباع بمعنى أن رغبتي في أن أتناول كوبا مثلجا من الماء تنتهي بحصولي عليه قد اشتهيت كوب ماء لإشباع عطشي وقد شبعت فإذا لم تهدأ شهوتي بالإشباع أكون قد بلغت حالة الاشتهاء

فالاشتهاء هو الشهوة الدائمة الملحة المسيطرة التي لا تشبع هي التعلق بالموجود التعطش إلى شيء لديك منه الكثير

الجوع الشبع النهم

من حق الجائع أن يبحث عن طعامه وأن يسعى إليه إذ لابد أ، يلبي احتياجاته

لكن الجائع قد يأكل فيشبع وقد يأكل فيزداد نهما فهو يتعلق بالطعام الذي ظل محروما منه بعض الوقت حتى يصير هذا الطعام في ذاته هدفا دائما وهنا مكمن الخطر

قرأت عن رجل من رجال الأعمال في ولاية جورجيا الأمريكية ظل يجمع المال في كل يوم غير مهتم بأي شيء آخر ومرت سنوات عمره وتقدمت الأيام ورقد في فراش المرض منحدرا إلى حافة الموت وبينما هو في لحظاته الأخيرة استغرق في تفكير عميق وكأنه يسحب شيئا ثم أفاق لحظة فطلب إلى زوجته بكلمات مرتعشة أن تسنده أو تحمله إلى خزينته الخاصة في البيت وفتح الرجل الخزينة بيد واهنة باردة وأخذ يقلب أوراقه ويسترجع الأرقام ثم ابتسم ابتسامة ميتة ساجدة وقال في أسف شديد آه لو كان معي هذا المال يوم بدأت لكنت الآن أمتلك كل ولاية جورجيا وحملق في الخزينة بعينين نهمتين يطل منهما الجوع والعطش ثم قبض بكلتا يديه على أكبر قدر من الأوراق المالية وشهق شهقة عالية ثم سقط ميتا

إن بعض الناس يشربون من المياه المالحة طلبا لارتواء فيزدادون عطشا إنهم يتعلقون بما لا يروى من عطش ولا يشبع من جوع

تعلق بما يشبعك

الإنسان كائن روحي له إشتياقات روحية لا يشبعها إلى الطعام الروحي

لقد وضع الله في قلب كل بشري تعطشا وتطلعا إلى علاقة تربطه بالله لذالك قال أحدهم وهو يناجي الله ستظل قلوبنا بلا راحة حتى تجد راحتها فيك وقال تولوستوي الروائي الروسي العظيم في كل منا فراغ على شكل الله وما لم يملأ الله هذا الفراغ فسنظل على خلاف مع أنفسنا

إن في داخلنا إحساس عميق بالحاجة إلى الله تعلق طبيعي وعطش طبيعي للاتصال بالله

ولكننا نحاول أن نروي هذا العطش المقدس من مصادر أخرى نظن أنها مروية فلا نرتوي بل نزداد عطشا

والماء المالح الذي لا يروي كثيرا جدا في حياتنا ويتنوع بين الأصدقاء والحب والمال والمركز الاجتماعي والرفاهية والنجاح والهواية.. الخ

وجميعها لا تشبع أشواقنا الروحية ولا تملأ النفس الإنسانية بالاكتفاء والشبع

إذا أردت الراحة وجه نظرك إلى الله تعلق به حول إليه اهتمام قلبك أمكث أمامه في خضوع وسيشبع الله جميع إنتظاراتك سيملأ عمرك بنسمات الخلود والأبد سيكشف لك طريقا تسكله لتتواصل معه لتفهم عمق حبه ورحمته وعدله

ألست إنسانا خالدا

فلماذا تتعلق بأشياء زائلة

تعلق بالخلود

بالله

صرخة إنسانية

يا رب

داخلي شوق جارف

لشخص نقي

يدخل أعماق روحي

يملأ حياتي بالنقاء

فكم تعلقت بأشخاص

خذلوني

أعثروني

سقطوا أمامي

مثل أشجار يضرب فيها السوس

فما أحوجني إليك

إليها القدوس الطاهر

قدس حياتي

بك وحدك أتعلق

وحدك ملء شوقي وغايتي

يا رب

في داخلي عطش شديد

لينبوع طاهر

 يغسل حياتي الملوثة

ويروي ظمأ نفسي

فكم اغتسلت في ينابيع خادعة

فلم تغسل خطاياي

وظلت حياتي مشوهة بالذنوب

فما أحوجني إليك

إلى نبعك الطاهر

يغسلني

يطهرني

بك وحدك أغتسل

وفيك أرتوي

يا رب

في داخلي جوع شديد

لخبز حي

يشبعني

يبعث الحياة في أيامي الميتة

فطالما اشتهيت غذاء لروحي

فقادني الناس إلى أطعمة فاسدة

وعبادة جافة قاتلة

فجاعت نفسي إليك

فأشبعني منك

أعطني طعام الحياة

خبز الأبدية

أني أتعلق بك

أنتظرك

فأهدني إلى طريقك

يا رب

 

 

اشتهيت غذاء لروحي
اشتهيت غذاء لروحي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟