مبادئ إنسانية

السماء لا تقبل الرشوة

40 مبادئ إنسانية :

السماء لا تقبل الرشوة

فالله غني عن كل كنوز الأرض

نظر الموظف الكبير من النافذة المطلة على الميدان وكان الميدان مزدحما بالمارة وبالسيارات فالنافذة التي يطل منها تقع في الطابق الحادي عشر من أكبر المجمعات الحكومية التي يتردد عليها آلاف البشر

ولم يكن ينظر إلى الشارع ليستمتع أو ليتفرج بل لعله لم ير شيئا سوى الأرض البعيدة والفراغ الممتد

كان الرجل يجتاز موقفا صعبا وتجمعت في حلقه أحاسيس المرارة والخوف فارتعش جسده النحيل وانهارت قواه فاستجمع ما بقي فيه من طاقة واعتلى النافذة ملقيا بجسده الضعيف إلى أرض الشارع ويلفظ آخر أنفاس الحياة عند أقدام المارة

وتجمع الناس حول جثة الرحل الوقور الذي كان عمره يقترب من الستين وقد غطى الشيب رأسه فملأ الأسف قلوبهم حسرة عليه

وكثرت الحكايات حول الرجل فقيل إنه موظف كبير بإحدى المصالح اختل توازنه وهو في شرفة مكتبه فسقط وقيل إنه انتحر ملقيا بنفسه عمدا وكثر القيل والقال فانصرف الناس إلى حال سبيلهم دون أني شبعوا فضولهم

وفي الصباح اليوم  التالي نشرت الصحف قصة انتحار الموظف الكبير الذي كان يرأس مجلس إدارة إحدى الهيئات الكبرى وقالت الصحف إنه ألقى بذاته من النافذة بعد اتهامه في قضية رشوة

هل انتحر الرجل يائسا حين أحس بافتضاح أمره وثبوت التهمة عليه

أم انتحر ألما مستكثرا على نفسه أن يساق إلى تحقيق بهذه التهمة المخزية بعد حياة وظيفية ممتدة؟ هل كان الرجل مذنبا يستحق العقاب أم بريئا يستحق الشفقة؟ لا نعلم الحقيقة فالشرطة لديها أدلة دامغة تدينه غير أن الرجل مات ومعه دفاعه واعترافه

ونحن لا نملك أن ندين أحدا أو نتهمه لكننا فقط نأسف على الإنسان أي إنسان مذنبا كان أم بريئا حين تتمرغ شيبته في التراب ونأسف أن يكون المال والرشوة سببا في اغتيال كرامة الإنسان وتحطيم تاريخه

إن الإنسان في  ذاته أغلى  من كل مال يمكن أن يكتسبه وأعظم من كل كنز يدخره وأرفع من كل مركز يحتله الإنسان تاج خليقه الله وقد خلق الله الذهب والآلي مطمورة في أوحال الأرض وصخور الجبال بينما خلق الإنسان كريما عزيزا يدوس تحت أقدامه الدرر

أسوأ الأسواق

أسوأ الأسواق ليس هو سوق السمك في يوم حار لا إن رائحة السمك الفاسد يمكن احتمالها أسوأ الأسواق هي السوق الذي تباع فيه الذمم وتباع فيه الضمائر وهي سوق الغش التي تتركز فيها كل الحيل القبيحة وأسرار التجارة المحرمة فأًحاب المصالح ينصبون الشباك ويضعون الفخاخ ويتصيدون ضحاياهم من ذوى النفوس الضعيفة أو ذوى الاحتياجات المرة

والمرتشي خاسر لكنه لا يعلم يبيع أشياء غالية هي شرفه المهني وصيته وسمعته في مقابل أشياء مادية تافهة مهما كانت كبيرة

أما الراشي فهو أشد حمقا وأكثر ضلالا فهو سارق يسرق حق غيره وهو مستغل يستغل ضعف غيره وهو إن لم يكن سارقا أو مستغلا فهو على الأقل يساند السارق والمستغلين ويمهد لهم سبل الضلال فيلطخ وجه الحياة الشريفة مقابل قضاء حاجته المحدودة إنه كالقط الذي يتسلق فوق آنية ثمينة فيسقطها ويحكمها لأنه يريد أن يصطاد فراشة صغيرة القط يكسب فراشة على طرف لسانه لكنه يحطم آنية ثمينة لا تعوض كذالك الراشي يقضي مصلحة بسيطة لكنه يحطم أداء دولة ويفسد نظام عمل ويلوث شرف جهاز تنفيذي كامل

والمجتمع يغفر للراشي ولا يغفر للمرتشي وكلاهما في الشر سواء وربما كان الراشي أظلم

الرشوة في حياتنا

الرشوة في حياتنا كثيرة وليس فينا من لا يدفع الرشوة أو يرتشي

ولا تغضب عزيزي القارئ فالرشوة ليست دائما مالا يعطى أو يؤخذ فقد تكون الرشوة رياء وتملق لمن يملك مصالحنا وقد تكون الرشوة مجاملة للذات أو تقربا للآخرين

الرشوة ليست وقفا على رجال الأعمال أو أصحاب المصالح بل هي سائدة أيضا في حياة كافة البشر

بعض الناس يقدمون الرشوة للآخرين:

وقد يتخذون ذالك أسلوبا لقضاء المصالح فيلجأون إليه اختصارا للوقت وللطريق فعيونهم تكتشف المرتشين وعقولهم قادرة على نصب الفخاخ وقلوبهم تميل إلى الاستجابة للمرتزقة وضعاف النفوس

والبعض يرشى نفسه:

وهذا نوع آخر من الرشوة غريب لكنه مألوف فبعض الناس يقدمون رشوة لأنفسهم وهم يجاملون أنفسهم كثيرا ويمنحون الأوسمة والنياشين لأنفسهم ويتملقون ذواتهم

وكثيرا ما نستمع إلى من يقول ” أنا ولله الحمد لا أفعل إلا ما يرضي الله وأرعى ضميري دائما ولست مثل باقي الناس الأشرار والعياذ بالله”

وكثيرا ما نستمع إلى أحاديث هي في جملتها مقارنة بين الذات والآخرين يستخلص منها المتحدث أنه أفضل آلاف المرات ممن حوله

هذا النوع من الإعلان يمثل قلقا باطننا لدينا فنحن نعرف ضعف ذواتنا وشر نفوسنا الأمارة بالسوء وهذا القلق الذي يزعج ضمائرنا قد نعالجه بمواجهة صادقة فنلجأ إلى الله ليغسلنا ويطهرنا أو نحاول أن نقنع نفوسا بأننا خير حال

إن دعاء الصلاح نوع من الرشوات للذات يقدمها الإنسان لنفسه ليسكن ضميره الهائج ونفسه القلقة فالحقيقة أننا نحن البشر جميعا نحمل في داخلنا طبيعة إنسانية ضعيفة ميالة للشر ونحن حتى في صمتنا نرتكب المعاصي بالفكر والنوايا فنحن وبدون أن نعمل شيء قد نحقد أو نحسد أو نشتهي أو نفكر ضد الغير أو ندبر لتحقيق شهواتنا هذا فضلا عما تكنه نفوسنا من الأنانية وحب الذات والرغبة في إظهار النفس والكبرياء والعظمة..الخ

إن الرشوة التي نقدمها لأنفسها بامتداحنا لها تقف حائلا بيننا وبين اكتشاف عيوب الذات وتقف حائلا بينا وبين الندم والرغبة في التوبة

وقد نحاول في جهل أن نرشى السماء

كثيرا ما تختلط علينا الأمور فنخلط بين تعاملات الأرض وتعاملات السماء

فلأننا تعودنا أن نسترضي السماء فنحن نحسب أن توزيع الصدقات على الفقراء وأداء الفروض والطقوس وتقديم العبادات التقليدية وغير ذالك من أعمال الخير نحسب أنها تشتري القبول عند الله

والحقيقية أن الله روح وهو سبحانه وتعالى يتعامل مع أرواح البشر فهو يريد القلب الطاهر والنفس التائبة المعترفة بذنوبها وليس النفس التي تدعى التقوى أو ترى غي أعمالها الصلاح

فالله غني عن كل أموال البشر غني عن كل عبادتهم فهو يريد النفس التائبة النادمة والقلب المنكسر

إن الله يحتقر العبادة الجافة عبادة الشفتين ويكره التدين السطحي الذي لم يغير القلب

إن السماء لا تقبل الرشوة

وأبواب السماء ليست مفتوحة لتقبل الهدايا الباطلة

إن أبواب السماء مفتوحة للمعترفين بالذنب الذين يرون ظلام حياتهم أمام قداسة الله وطهارة السماء

صرخة إنسانية

يا رب

اغفر لي جهلي

فقد خدعني الناس

وخدعت ذاتي

كثيرا ما حسبت نفسي صالحا

وأكبرت في ذاتي أعمال البر

ونسيت ما انطوت عليه نفسي في

داخلي

نسيت شهواتي أنانيتي أفكاري

سامحني

فقد تصورت في جهلي أنني أرضيك

بعبادتي الجافة

ومظاهر التدين التي لم تغير قلبي

ولم تغير طبيعتي

لذالك

أجئ بروحي قدامك

أمام نور قداستك

أقف منكسرا

لتكشف لعيني ظلام عبادتي

وجهل قلبي

وسواد فكري

أملأني ندما وخجلا

اغسلني بروح الطهر

واكشف لي طريق رضاك

 أيها الغني عن كل كنوز الأرض

الغني عن كل عبادات البشر

 يا رب

السماء لا تقبل الرشوة
السماء لا تقبل الرشوة

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟