مبادئ إنسانية

طهرني في مياه نعمتك

32 مبادئ إنسانية : 

الماء ينظف الجسد

أما القلب فلا يطهره إلا روح الله

وقفت مرة أراقب عامل البلدية وهو ينظف الشارع بأدواته البدائية البسيطة وكان الرجل يمرر مكنسته المصنوعة من خوص النخيل مرة أو مرتين فوق الأرض فتجرف أمامها بعض الأغراض الكبيرة الواضحة كأوراق الشجر والعلب الفارغة وأغطية الزجاجات أما الأتربة الناعمة فتبقى أماكنها أو تنزوي في الأركان بجوار الأرصفة

ثم أتى ملاحظ العمال على دراجته ليراقب الأداء فنظر إلى العامل وحياه بابتسامة عريضة قائلا أحسن يا أبا فلان لقد صار الشارع نظيفا لامعا

وفكرت في الأمر قائلا وتساءلت بيني وبين نفسي: ألا يرى الملاحظ كمية التراب في الأركان أم أنه يراها لكنه يعلم أن هذا هو أقصى ما يمكن أن يؤديه هذا العامل بأدواته الأولية أم أنه يقول هذه الكلمات للتشجيع والمجاملة؟

ثم أدركت أخيرا أن الرجل كان جادا وصادقا مع نفسه ومقتنعا بما يقول وهو يشيد بنظافة الشارع لأن هذا المستوى من النظافة هو غاية ما يتطلع إليه إنه أفضل ما يعرفه من صور النظافة

النظافة كيف نراها ؟

لكن هذه النظافة التي أقنعت كناس الشارع لا يمكن أن تقنع أي سيدة في بيتها فسيدة البيت لا تكف عن تلميع الأثاث وإزالة الأتربة وتنظيف الزجاج والستائر وهي لا تقبل ذرة واحدة من التراب في أي ركن من أركان البيت إن نظافة سيدة البيت تمثل مستوى مختلفا من مستوى عامل البلدية

أما الطبيب في عيادته أو داخل غرفة العمليات فلا يكفيه أن تكون الأدوات نظيفة لامعة بل يرى ضرورة تعقيمها وتطهيرها بمحاليل تضمن نقاءها

فالنظافة عند الطبيب تختلف في مضمونها وشكلها عن النظافة عند سيدة البيت

فإذا ارتفعت أبصارنا إلى الله سبحانه وتعالى فإننا ندرك بكل يقين أن النظافة التي يرتضيها الله وهو العلي القدوس الطاهر لا يمكن أن تكون غير حالة النقاء والطهارة المطلقة فهو حين يدعونا أن نكون أنقياء القلب طاهري النفس فإنه يطلب النظافة على المستوى الإلهي

صورة القلب النظيف

نظافة القلب هي نظافة الداخل نظافة باطن الإنسان نظافة الداخل هي الغرف التي لا يراها الضيف ونظافة الأركان الخفية التي لا تصل إليها الأبصار إن أغلبنا يهتم بالصورة الظاهرة التي يراها الناس ويهمل النقاء الداخلي

إن نظافة القلب تنعي البساطة: إنها تعني أن يكون القلب خاليا من التعقيد والالتواء أن يكون الفكر صريحا والقول مباشرا والهدف مستقيما والنوايا واضحة

نظافة القلب هي أن يخلو من الغش: فالتصنع يفسد القلب والخداع يفسد القلب ولا يستطيع الماكر أن يحتفظ بقلب نظيف شفاف فالأقنعة التي يلبسها تخفي الحقائق وتخلق في داخل القلب أركانا مظلمة تتجمع فيها النوايا السيئة والأفكار القلقة

نظافة القلب تعني إزالة البقع السوداء: ففي مسارنا الإنساني كثيرا ما نسقط في بعض الدنايا التي تدفعنا إليها طبيعتنا البشرية وتقترف أِياء نخجل منها لكننا نتستر عليها حتى لا يراها الآخرون وقد ننجح في إخفائها لكنها تبقى بقعا قاتمة في داخلنا تفسد نظافة القلب

قال الحكيم الصيني منسيوس 372/289م “إن الرحل العظيم هو الذي يحتفظ بين ضلوعه بقلب طفل مهما تقدمت به الأيام”

لكن من منا يستطيع أن يسترد قلب الطفل وأن يغتسل من بقع الماضي وتعقيدات الحاضر وأطماع المستقبل؟

عندما يغتسل الله القلب

 

أخذت الطفلة الصغيرة تتأمل قطتها البيضاء فلم يعجبها الذيل الأسود وفكرت الطفلة في حل مناسب لهذه المشكلة ولم يكن أماها إلا غسالة الملابس فكل شيء يغسل بالماء والصابون وضحكت الأم وهي ترى طفلتها تحاول أن تضع القطة في الغسالة

إن القلب حين يفقد بساطته الأولى لا يمكن أن يغتسل بالماء والصابون أي أنه لا يعود نظيفا بأي جهد بشري بل يحتاج إلى عمل إلهي

فالماء ينظف الجسد لكن القلب لا ينظفه إلا روح الله

إننا لا نستطيع أن نعود إلى بساطة الأطفال مهما بذلنا من جهد بشري بل أن الله وحده الذي خلقنا أطفالا بسطاء يستطيع أن يعيد خلقنا بقلوب جديدة نظيفة ويدربنا في طريق النقاء والصفاء الداخلي

صرخة إنسانية

يا رب

أقترب إليك

بكل خداعي وجهلي

فطالما خدعن نفسي

بارتداء ثياب الأطهار

وطالما خدعت الناس حولي

بالأقنعة الزائفة

لكني أعرف أن حياتي ملوثة

أفكاري ملوثة

أعرف أن قلبي كهف مظلم

تراكمت فيه الشهوات

والأحقاد

أصبحت خبيرا في التزييف

أصبحت أجيد الدور

كأي ممثل محترف

أضع ماكياج القديسين

أرسم ملامح الأولياء الصالحين

أحبس في جوفي كلمات المجون

وأسخر لساني لينطق بالحكمة

كاذب أنا

والآن

أرى عينيك تخترقان قلبي

قداسة حضورك تحرق زيفي

مكشوف أنا قدامك

ظاهر على حقيقتي

أكاد أشم رائحة حياتي الفاسدة

فأغفر لي

اغسلني في نهر قداستك

طهرني في مياه نعمتك

أنت وحدك الذي تعرفني

وحدك تقرأ خبايا قلبي

وحدك تبصر أعماقي

وحدك تغسل عن قلبي الأوحال

وحدك تمنحني قلب الطفل

إني ألتمس اليوم

فوض روح القدس

شلال الطهر الدافق

يا رب

طهرني في مياه نعمتك
طهرني في مياه نعمتك

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟