مبادئ إنسانية

ليس لأحد حب أعظم من هذا

ليس لأحد حب أعظم من هذا :

أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه

لم يبخل ريشران بأي مجهود في بيت سيده القاضي في كلكتا فقد كان ريشران رفيقا لأونوكول منذ طفولته في منزل والده الثري وعاش معه في كل مراحل تعليمه حتى تخرج من كلية الحقوق وأنخرط في هذا السلك حتى أصبح قاضيا مرموقا

وسعد ريشران يوم زواج أونوكل ورأت الأسرة أن ينتقل ريشران مع أونوكل في بيته الجديد

لم تكن زوجة أونوكل بمستوى طيبة قلب زوجها مما أثر في نفس ريشران ولكنه بقى على فنائه وإخلاصه وسره مقدم ضيف جديد فقد أنجب أونوكل ولد وسرعان ما صار ريشران هو المتولى أمر الطفل الوليد

كان ريشران يهدهد طفل سيده ويداعبه ويرى فيه تعويضا عن حرمانه وزوجته التي تقيم في بلدته بالقرب من كلكتا من الإنجاب

كانت مشاعر ريشران لطفل مخدومه مشاعر الأبوة المختلطة بالمحبة الخالصة والإخلاص الكامل لبيت أونوكل سيده والولاء غير المحدود لبيت العائلة الذي بدأ يعمل فيه منذ صباه

ومع مرور الأيام والشهور كان نمو الصغير العزيز في ازدياد فإذا به يحبو ويلاحقه ريشران محاولا الإمساك به والصغير يحاول الإفلات منه وهو يطلق ضحكاته الطفولية التي تشيع سعادة وهناءا في أرجاء البيت

وحين بدأ الطفل ينطق ببعض الكلمات كانت فرحة ريشران غير محدودة وخاصة إذ نطق باشان أي ريشران كان إذ نطق اسمه هكذا ينطلق ريشران في كل البيت ليحكي للجميع عن قدرات سيده الطفل!

وتعود الصغير أن يمتطى ظهر ريشران الذي كان يشعر بسعادة بالغة وهو يتحول إلى حصان  الخاص للطفل المدلل كما كان يصحبه في نزهة عصر كل يوم فكان ريشران يجر عربة الطفل الصغيرة وبها يجلس السيد الصغير في ردائه الموشى وحول رقبته الصغيرة بعض العقود الذهبية… وكان ريشران يشعر بأنه يقود موكبا ملكيا صغيرا

وفي عصر أحد الأيام خرج ريشران يقود الموكب الملكي الصغير ليتمتع سيده الصغير بنزهة على ضفة نهر البادما حيث أجمل مناظر الطبيعة في المقاطعة التي نقل إليها أخيرا القاضي أونوكل والد الطفل المدلل

خرج ريشران ومعه عربة الموكب الملكي الصغير والطفل يكاد يقفز من فرط سعادته بالنزهة على حين يردد له ريشران أناشيد الطفولة المحببة واستمرت النزهة والغناء حتى أوشكت الشمس أن تغيب وفجأة صاح الطفل باسم باشات فإلتفت ريشران إليها فإذا بالأصابع الصغيرة تشير إلى شجرة مزهرة على الضفة  الأخرى للنهر مبتغيا بعضا من زهورها ولم يتمكن ريشران من إثنائه عن رغبته

إذن يا سيدي الصغير اجلس في عربتك الجميلة ريثما أذهب لآتي لك بالزهور

لكن ما كاد يبدأ في العبور النهر حتى نزل الصغير من عربته وأنطلق يجري نحو النهر مبهورا بتياره المتدفق وألتقط عصا وإتجه حافة النهر واقترب شيئا فشيئا إلى الماء وانحنى ليضرب الماء وظل يضرب وينحنى أكثر حتى احتوته مياه النهر الهادر

ولما عاد ريشران ومعه الزهور التي طلبها منه الصغير وجد العربة خالية ولم يجد الطفل في أي مكان أخد ريشران يجري في كل إتجاه وهو ينادي سيدي الطفل ولم يجب الطفل ولم يسمع ريشران صدى لصوته غير هدير المياه

وجاء المساء وساور الأم القلق فأرسلت الرجال يبحثون عن الطفل وريشران على ضفة النهر حيث النزهة اليومية لوحيدها واتجه الرجال بالمصابيح

فوجدوا رشران وحده يصيب بيأس مرددا سيدي  سيدي الطفل

ولما عادوا إلى البيت حكى ريشران ما وقع وبرغم أن الجميع حسبوا أن النهر ابتلع الطفل فإن شيئا من الشك ظل يساور بعضهم وخاصة الأم التي حاولت أن يعترف ريشران بأنه سرق الطفل للاستيلاء على حيله

طردت الأسرة ريشران من بيت مخدومه فعاد إلى قريته فوجد زوجته فريدة إذ لم يكن قد أصبح حتى ذالك الوقت أبا

ومع مرور عام من عودته لقريته رزق ابنا وماتت عنه أمه بعد مولده بأيام

وبرغم اشتياق ريشران ليكون أبا لم يسعد بابنه حيث لازمته ذكرى الطفل وعربته والنهر والشجرة المزهرة والأمواج المتدفقة وبيت سيده الموحش بعد فقد الصغير

شعر ريشران لأيام طويلة بأنه لا يمكن أن يسعد بوليده فقد كان هو سببا في حرمان سيده وزوجته من وليدهما

لكن تغييرا حدث في قلب ريشران إزاء الطفل فمع الأيام أخذ ينمو ويحبو ثم يردد كلمات تماما مثل طفل سيده فاقتنع ريشران بأن روح سيده تقمصت ابنه فسعد لذالك

بدأ ريشران يشعر بمزيد من الحب والاحترام المتزايد لابنه فهو ابن سيده في شخص ابنه

إّن لا يليق بابن سيده الجديد أن يرتدى ملابس عادية بل يجب أن تكون ملابسه مميزة كما كانت ملابس طفل سيده

يجب أن تكون موشاه مثل ملابس الصغير الفقيد

يجب أن تكون له حلى ذهبية وعربة تماما مثل ما كان لسيده الصغير

لم يكن إيجار قطعة الأرض التي يمتلكها يكفي الإنفاق على مظهر سيده الطفل الجديد

ومع ما كان لابنه من أبهة المظهر كان هو رث المظهر مما أثار سخرية الصغار من الابن والرثاء للأب الذي ظن أهل القرية أنه جن من فرط محبته لابنه

كبر الابن وهو مقتنع أنه السيد الصغير لأبيه

وباع الأب قطعة الأرض ورحل مع ابنه لكلكتا لتعليم ابنه في مدرسة تليق بابن سيده

وكان يعلن أن هذا الابن هو سيده الصغير وصدقه الجميع حتى إبنه زادت مطالب الابن وزادت هموم الأب الذي بدأت سنه تقترب من الشيخوخة فأضطر للبحث عن عمل بعد أن أوشك ما لديه من ثمن الأرض أن ينفد وأصبح من جديد خادما في أحد بيوتات كلكتا

كان كلما أقترب من باب مدرسة ابنه سخر منه بعض التلاميذ وأعجب بطيبته بعض آخر وضاق الابن به

كان ريشران يدخر ما يمكنه من النقود حتى لو أدى ذالك إلى تجويع نفسه لتوفير ما يسعد وحيده السيد الصغير بمستوى معيشة أبناء الأثرياء ومع تقتيره على نفسه لتوفير الحياة الرغد لأبنه واقترابه من الشيخوخة قلت درجة كفايته في العمل في الوقت الذي ينمو ولده وتزداد مطالبيه

أصبح راتب ريشران لا يكفي احتياجات السيد الصغير مما تسبب في ضيق شديد لريشران ودفعه للبحث عن مخرج

أعطى ريشران كل ما معه من مال لابنه ولم يستبق شيئا لنفسه سوى ما يكفي ثمن تذكرة القطار وأبلغ إبنه أنه ذاهب في مهمة إلى إحدى المقاطعات بجوار نهر البادما كان ريشران قد أضمر في نفسه قرارا خطيرا

وصل ريشران إلى منزل القاضي أونوكل حيث ألقى عليهم الخبر المثير لقد أبلغ الأسرة أن سيده الطفل لازال حيا ولم يبتلعه النهر وبعد حوار قصير انطلق ريشران ليحضر الابن وبعد بضع ساعات عاد ومعه الابن الذي أستقبل بلهفة واحتضنته الأم ودموع الأب والأم تنهمر ونظر الابن إلى أونوكل مزهوا بأبيه الثري

ولكن أونكل طلب من ريشران مغادرة البيت فورا فأنهار ريشران الأب متوسلا قائلا إلى أين أذهب في شيخوختي يا سيدي؟

طلبت الأم بقاءه فاقترح الابن أن يذهب ريشران إلى بلدته على أن يرسل أوتوكل له بعض المال في كل شهر سمع ريشران هذه الكلمات وانسحب بظهره بخطوات متعثرة مهدودة ونظراته مثبته على.. على سيده الصغير وخرج من البيت

وفي أول الشهر أرسل أونوكل بعض المال إلى ريشران في بلدته لكن المال رد له فلم يكن في القرية أحد اسمه ريشران

ليس لأحد حب أعظم من هذا
ليس لأحد حب أعظم من هذا

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟