بريدك اليومي

القصة الالهية … أنا هو.

عندما نُفكّر في أدلّة ألوهيّة المسيح نذهب إلى نبوءات العهد القديم عنه. فهناك الكثير من النبوءات والإشارات التي تتحدّث عن المسيح، والتي تحقّقت بشكلٍ كبيرٍ فيه، وفي تعاليمه وأفعاله ومُعجزاته وصليبه وموته وقيامته. لكن، هناك الكثير من الأدلّة التي برهنَ بها المسيح، وأعلن بها عن نفسه. من أهمّ تلك الأدلّة هي تعريف المسيح عن نفسه، كيف كان يرى نفسه. هناك عبارة شهيرة قالها المسيح عن نفسه كثيرًا في أكثر من موضع في الأناجيل، وفي أكثر من موقفٍ أمام أتباعه، وهي عبارة (أنا هو). هذا الوصف له دلالة عقائديّة عميقة، فالعبارة تُعادل في أصلها اللُّغويّ العبارة التي أعلن الله بها نفسه لموسى «فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ». (خروج 3: 14). فكما أعلن الله نفسه بعبارة (أهيه)، هي نفس العبارة التي أعلنها المسيح (أنا هو). سنُكمل باقي العبارات في مقال هدا المنشور !

قال أتباع المسيح له «مَاذَا نَفْعَلُ حَتَّى نَعْمَلَ أَعْمَالَ اللهِ؟» (يوحنّا 28:6). هكذا سألوا المسيح بعدما أكلوا من الخُبز وشبعوا حين قال لهم: «اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ» (يوحنّا 27:6). فقد ظنّ التلاميذ أنّ بإمكانهم القيام بأعمال مُحدّدة لكي يحصلوا على الطعام الباقي للحياة الأبديّة. ثمّ أعلن المسيح لهم أنّه هو خُبز الحياة بصورةٍ شاملةٍ «أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يوحنّا 51:6). ليُفجّر استعلان نفسه بأنّه هو الله نفسه. لأنّه بعدما ذكّر اليهود بأنّ الله «يُعْطِيكُمُ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ» (يوحنّا 32:6)، عاد وأعلن لهم «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ» (يوحنّا 35:6)، بل وأنّه هو أيضًا يُعطي هذا الخُبز: «وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي» (يوحنّا 51:6). وبهذا الكلام يكون المسيح قد أوضح أنّ الآب السماوي يُعطيهم الخُبز الحقيقيّ، ثم يُعلن بأنّه هو نفسه خُبْزُ الْحَيَاةِ. ويكشف عن طبيعته السماويّة، وأنّه هو فقط الذي يستطيع أن يُشبع الحاجة الروحيّة لمُستمعيه.

يحكي لنا البشير يوحنّا في بداية إنجيله عن المسيح قائلًا: «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ» (يوحنّا 1: 4 -5). ثمّ يُكمِل بعدها «كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ» (يوحنّا 9:1). يحكي لنا يوحنّا عن عيد من أهمّ أعياد اليهود، وهو عيد المَظال، والذي كانوا يُضيئون فيه الشّموع. ليأتي الوقت ويُعلن المسيح إعلانه عن ذاته ليصدِمَ الجميع قائلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ». (يوحنّا 8: 12). قال المسيح هذا الإعلان وسط اليهود الذين يعرفون جيّدًا مفهوم النّور الإلهيّ، الذي هو إعلان عن الذات الإلهيّة التي تُخرِج النّاس من ظُلمات الشرّ والخطيّة إلى نور الحياة الأبديّة. وهذا ما تنبّأ عنه إشعياء النّبي «اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ» (إشعياء 9: 2).

من ضمن العبارات التي قالها المسيح عن نفسه عبارة (أنا هو الباب). جاء هذا القول وسط معركة كلاميّة حدثت بين رجال الدين اليهود المُتشدّدين. نرى المسيح قبلها قد شفى إنسانًا أعمى، وقد أغتاظ اليهود من المسيح لأنّه شفاه يوم السبت اليهوديّ المُقدّس. بدأ صراع بين المسيح ورجال الدين اليهوديّ، ووصفهم بأنّهم “سُرّاق ولُصوص”. بعدها أعلن المسيح عن نفسه للجميع وقال لهُم «أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى.» (يوحنّا 10: 9). المسيح قال أنا هو الباب” وليس “باب” أي أنّه هو وحده الطريق للحياة. وهذا تأكيد آخر لما يقوله المسيح: «اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنّا 10: 10). وهنا يُصرّ المسيح على إنّه يوجد طريق واحد فقط للتمتّع بالحياة الأبديّة، ومصدر واحد فقط لمعرفة الله، ونبع واحد للغذاء الروحيّ، وأساس واحد للأمن الروحيّ، وهو المسيح فقط. فالمسيح هو الباب، هو وحده المدخل الوحيد إلى الآب. لا يوجد سوى باب واحد فقط، لدى قطيع الله راعٍ واحد، وباب واحد، ولا يُمكن الدخول عبر ذلك الباب، إلّا من خلال ذاك الذي هو نفسه الباب، المسيح الذي أعلن عن ذاته “أنا هو الباب”.

لقد كان الرُّعاة مُنذ القديم يهتمّون بالقطيع، يُهدونه إلى المراعي والمياه، يعتنون بالضعيف والمجروح بسبب الحيوانات المُفترسة، ويتأكّدون من أنّها تتمتّع بالراحة الكافية. كثيرًا ما تحدّث النبيّ داود عن رعاية الله لنا بعبارات مثل “الربّ راعيّ” وغيرها. ولقد تكرّر هذا التشبيه في العهد الجديد حينما قال الربّ: «أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ» (يوحنّا 10: 11). بتلك الكلمات نفهم شفقة السيّد المسيح على شعبه، فنحن هنا على هذه الأرض لنَختبر محبّة الله لنا واهتمامه بنا كأولاده. المسيح ليس بأيّة راعي، وإنّما هو الراعي الصالح الذي يُحبّ رعيّته لحدٍّ وضع حياته من أجلهم. المسيح الراعي الصالح يعرِفُك تمام المعرفة، فهو يعرفُ مخاوفك وهمّك، وفرحك ورغباتك. يعرفك بكلّ الأحوال المُختلفة، ويعدُك بأن يُرشدك ويحميك، وأن يهتمّ بك لأنّه الراعي الصالح.

ذات مرّة أقام المسيحُ رجُلًا اسمه لِعازر من الموت. فوجئت “مرثـا” أخت لعازر الميّت بقَـوْل المسيح لهـا: «سَيَقُومُ أَخُـوكِ». وحينـذاك أجـابت المسيح بما تعتقد: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ، فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ». فكان ردُّ المسيح عليها: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَـوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُـلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ» (يـوحنّا 11: 23-26). فمرثا حتّى تلك اللحظة الفارقة لم تكُن تَعْلَم حقيقة المسيح، فكان في مُخيِّلتها أنّه مُجرّد مُعلِّمٍ صالحٍ أو نبيٍّ مُقتدر. ولكنّها ذُهِلَت من كلام الربّ، الذي ربّما لم تُدركه جيّدًا في ذلك الحين! وفي هذا التّشبيه يُرينا المسيح أنّ له القوى على الموت والحياة. عندما ننظُر لشخص المسيح، نحن لا ننظُر لنبيّ عظيمٍ أو لمُعلِّمٍ عظيمٍ، فلم يتجرّأ أيّ نبيّ أن يقول: إنّه هو القيامة والحياة، ولم يتجرّأ أيّ نبيّ أن يقول: «وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ…» (يوحنّا 11: 26). المسيح وحده يستطيع قول كلّ تلك الأمور عن نفسه. لقد تفوّه المسيح المُخلّص بكلماته الهامّة: أنا هو القيامة والحياة، وبرهن على صحّة كلامه بإقامة لِعازر من بين الأموات. لا شكّ في مُقدرة المسيح يسوع على إعطائنا الحياة الأبديّة عندما نؤمن به قلبيًّا ونتخذه مُخلّصًا من الخطيّة والشرّ.

«أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنّا 14: 6). هذا جواب المسيح على من يتساءل أين الطريق؟ فلا أحد يصل لله إلاّ بالمسيح. المسيح لم يُعطنا طريقة ووصفة ووصايا نصل بها للآب. بل قدّم نفسه طريقًا إلى الآب، هكذا باتحادنا به نتحدّ بالآب. إذاً كلّ ما على المؤمن أن يثبُت في المسيح، وبهذا يكون على طريق الحقّ والحياة. فالمسيح الطريق والحقّ، وكلمة حقّ تعني الشيء الثّابت، الذي لا يتغيّر، وتعني ذات الله. إذًا المسيح لا يمنح حياة غير حياته، بل حياته هو ذاته، وهو مات ليفتدينا ويُعطينا حياته. فهو اشترى لنا الحياة بموته ووهبنا إيّاها بروحه بعد أن فقدناها بالخطيّة. المسيح وحده يقول بأنّه هو الطريق، فهو لا يُرشدك للطريق فحسب، بل هو نفسه الطريق.

قال المسيح عن نفسه لأتباعه مُعلنًا لهُم عن طبيعته: «أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ. كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ. أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ. اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا» (يوحنّا 15: 1 -5). شبّه المسيح نفسه الكرمة، ولم يقُل: أنا الكرمة فقط، بل أوضح وقال: أنا الكرمة الحقيقيّة. ليُعلن المسيح بهذا التشبيه أنّه الطريق الحقيقي، الذي يأتي بثمر. فكلّما تثبّتنا فيه وتعلّقنا به، أثمرت حياتنا وأصبح لها معنى. وكلّما ابتعدنا عنه، نجفّ ونذبُل ونُطرح في الأرض بلا قيمة، ونفقد معنى الحياة. فالكرمة الحقيقيّة توفّر كلّ ما تحتاجه الأغصان (المؤمنين) لكي يُنتجوا ثمار الروح – المياه الحيّة للخلاص والغذاء من كلمة الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟