بريدك اليومي

 المسيح حسب الإيمان المسيحيّ

يظلّ المسيح -سلامُهُ علينا- محلّ جدلٍ واسعٍ، خاصة وسط الثقافات المُتعدّدة، والنظارات المُختلفة له. يعود هذا التعدُّد والاختلاف نتيجة أهمّيته ومكانته. فالمسيح بوجوده على الأرض لسنواتٍ قليلةٍ من الزمن غيّر مجرى التاريخ، قسمَ التاريخ بمولده ما بين قبل الميلاد وبعد الميلاد، وهذه فرادة له هو فقط لم تكن لأحدٍ غيره. الحيرة في أمر المسيح لم تكُن أمرًا حديثًا في عصورنا، بل بدأت مُنذ وجوده على الأرض، فاليهود تحيّروا في أمره، وحتّى التلاميذ أنفسهم. قال عن نفسه ألقاب كثيرة، وقيل عنه من أتباعه الكثير والكثير، تنبّأت نصوص العهد القديم عنه، قام بأمورٍ عجيبة، وتكلّم بتعاليم عظيمة. لذلك ومن هذا المُنطلق سنبدأ رحلةً للتعرُّف معًا على ماهيّة المسيح. صفاته، وألقابه، كيف كان يرى نفسه، كيف كان يراه تلاميذه.

من أهمّ الألقاب التي قيلت عن المسيح، أو قالها هو عن نفسه هو لقب “حجر الزاوية”. وحجر الزاوية هو الحجر الأوّل الذي يُؤسَّس عليه البناء بالكامل. هو الذي يربط حائطين معًا، بالتالي هو الحجر الذي بدونه ينهار المبنى. كان البناؤون قديمًا يختارون أفضل حجرٍ صلابة ونوعًا لينحتوا منه حجر الزاوية. عندما نعود إلى نصوص العهد القديم نجد نبوءات عن هذا اللقب، على سبيل المثال يقول النّبي داود ويتنبأ عن رفض الكثير للمسيح وهو الأحقّ بالقبول: «الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا» (مزمور 117: 22 -23). ويتنبّأ إشعياء أيضًا قائلًا: «لِذلِكَ هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «هأَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرًا، حَجَرَ امْتِحَانٍ، حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيمًا، أَسَاسًا مُؤَسَّسًا: مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ» (إشعياء 28: 16). يتبيّن لنا هنا أنّ مفهوم حجر الزاوية هو مفهوم قديم، ونبوءة مُنتظرة التحقيق. هذا ما سنكتشفه معًا 

تحدّثنا عن نبوءات العهد القديم عن حجر الزاوية، لكن ما علاقة المسيح بذلك؟ إذا عُدنا إلى نصوص العهد الجديد نجد أنّ المسيح بنفسه يُذكّر النّاس بتلك النبوءة، قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!» (متّى 21: 42) هذا ما قاله النّبيّ داود في مزمور 117، وأيضًا ورد هذا التأكيد في إنجيل (مُرقس 12: 10، ولوقا 20: 9). أمّا بعد صعود المسيح يؤكّد بُطرس أحد تلامذة المسيح أمام اليهود ويُذكّرهم برفضهم للمسيح قائلًا: «هذَا هُوَ: الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ، الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال الرّسل 4: 11 -12). ثمّ يُضيف أيضًا الرسول بولس ويؤكّد على أنّ المسيح هو حجر الزاوية قائلًا: «مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلًا مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ» (أفسس 2: 20 -22).

يُشَبِّه العهد الجديد الكنيسة والتي هي جماعة المؤمنين بالمسيح بالجسد، فالكنيسة هي جسد المسيح. هذا ما يؤكّده الوحي المُقدّس: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟» (1 كورنثوس 6: 15) «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا» (1 كورنثوس 12: 27). تستمدُّ الكنيسة هويِّتها أيضًا مِن المسيح، لأنّه هو المصدر والأساس والمُنشئ لإيمانها وتعاليمها، لذلك قيل عن المسيح أنّه رأس الكنيسة. «الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ. وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ» (كولوسي 1: 17 -18)، وأيضًا يقول: «وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ» (أفسس 1: 22 -23). لقد بُنِيَت الكنيسة على الأساس الذي هو المسيح، وعليها أن تُطيع المسيح بوصفه رأسها. كما هو الحال في الجسد المادي، أنّ الرأس هي الجُزء الذي يقود الجسد، كذلك أيضًا الكنيسة، فالمسيح بكونه رأس كلّ شيء لها، هو من يقود ويحكُم الكنيسة، فهو ولا أحد غيره قائدها ورئيسها الوحيد.

يُعطينا الكتاب المُقدّس صورةً مُميّزةً عن المسيح بوصفه الديّان العادل، الذي يفصِل بين البشر في كلّ شيء أمام كرسيه. يقول الوحي المُقدّس: «لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا» (2 كورونثوس 5: 10). أيضًا يقول المسيح عن نفسه: «فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ» (متّى 16: 27). يُضيف المسيح عن نفسه أكثر ليوضّح دينونته العادلة في الحياة الآخرة قائلًا: «وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ» (متّى 25: 31 -34). ويُخبرنا الوحي أيضًا في سفر الرؤيا عن المسيح قائلًا: «وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ» (رؤيا 22: 12).

من أهمّ ألقاب المسيح التي وردت في العهد الجديد من الكتاب المُقدّس هو لقب “ملك الملوك وربّ الأرباب”، وهذا ما يقوله الوحي المُقدّس: «وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ» (رؤيا 19: 16)، أيضًا يقول مرّة أخرى: «هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ» (رؤيا 17: 14). لم يُطلَق على السيّد المسيح لقب “الربّ” فقط كما ورد في كثير من المواضع في الكتاب المُقدّس بعهديه، ولكنّه أخذ لقب “ربّ الأرباب”. الغريب في الأمر، واللّافت للانتباه أنّ الله دُعي في العهد القديم بربّ الأرباب كما يقول الوحي المُقدّس: «لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الإِلهُ الْعَظِيمُ الْجَبَّارُ الْمَهِيبُ الَّذِي لاَ يَأْخُذُ بِالْوُجُوهِ وَلاَ يَقْبَلُ رَشْوَةً» (تثنية 10: 17). ويقول النبيّ داود أيضًا: «احْمَدُوا رَبَّ الأَرْبَابِ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ» (مزمور 136: 3). هنا تتجلّى ألوهيّة المسيح أمامنا بكلّ وضوح، ويُعلن لنا الكتاب المُقدّس أنّ المسيح هو الله الظاهر في الجسد.

يتنبّأ إشعياء النبيّ عن المسيح بأنّه سيكون رئيسًا للسّلام، «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ” (إشعياء 9: 6). نعم إنّ المسيح أتى بالسّلام إلى عالمنا، لم يحمل سيفًا، لم يُكرِه أحدًا على الإيمان به. جاء المسيح إلى عالمنا ليبدأ ملكوت الله بالسّلام، فعند ولادتِهِ أنشدتِ الملائكةُ قائلين: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا 2: 14). هو من باركَ صُنّاع السّلام قائلًا: «طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ» (متّى 5: 9). ولعلّ أعظم تجسُّد لسلام المسيح هو تعاليمه تجاه محبّة الأعداء حينما قال لتلاميذه: «لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ. مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَخَذَ الَّذِي لَكَ فَلاَ تُطَالِبْهُ. وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا» (لوقا 6: 27 -31). عالمنا الآن بحاجةٍ شديدةٍ لسلام المسيح، السّلام لا يأتي إلّا من خلال الإيمان بالمسيح وتغييره لداخلنا.

المسيحُ هو كلمة الله المُتجسّد، الذي أعلن لنا عن ذات الله وطبيعته. يقول يوحنّا في بداية رسالته عن المسيح: «اَلَّذِي (المسيح) كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا» (1 يوحنّا 1: 1 -4). وهذه نفس الفكرة التي سبق وقالها في إنجيله عن المسيح في أوّل فصل حيثُ قال: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ (المسيح)، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ (المسيح) اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ (المسيح) كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ» (يوحنا 1: 1 -4). نعم المسيح هو كلمة الحياة، أتى لعالمنا ليمنحنا حياة، فكُلّ من يؤمن به له حياة أبدية، ولا يسود عليه الموت ولا كلّ قوى الشرّ.

أُطلِق على المسيح عبارة “حمل الله”، لكن ما المعنى وراء ذلك؟ بالنسبة للذهنيّة اليهوديّة في ذلك الوقت كانوا مُدركين للعبارة جيّدًا، لكنّها قد تصعُب علينا اليوم. يقول يوحنّا المعمدان عن المسيح: «وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!» (يوحنا 1: 29)، ثمّ يُكرّرها مرّةً أخرى في نفس الفصل «وَفِي الْغَدِ أَيْضًا كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفًا هُوَ وَاثْنَانِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ. فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ مَاشِيًا، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ!». (يوحنّا 1: 35 -36). فعندما قيل عن المسيح أنّه حمل الله في (يوحنّا 29:1 ويوحنّا 36:1)، فهذه إشارة إلى أنّه الذبيحة الكاملة والكافية عن الخطيّة. ولكي نفهم من هو المسيح وماذا فعل، لابد وأن نبدأ من العهد القديم، الذي يحتوي على نبوءات عن مجيء المسيح ليكون «ذَبِيحَةَ إِثْمٍ» (إشعياء 10:53). فبموت المسيح على الصليب، كان مِثل الحَمل الذي يُقدّم كفّارة على المذبح، وهذا ما أكّده بُطرس في رسالتهِ (بُطرس الأولى 18:1-21): «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، أَنْتُمُ الَّذِينَ بِهِ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْطَاهُ مَجْداً، حَتَّى إِنَّ إِيمَانَكُمْ وَرَجَاءَكُمْ هُمَا فِي اللهِ».

لُقّبَ المسيح في رسالة العبرانيين في العهد الجديد برئيس الكهنة. لنعرِف أوّلًا من هُم الكهنة؟ كان الكهنة مسئولين عن التشفُّع لدى الله نيابةً عن الشعب، عن طريق تقديم ذبائح مُختلفة كان يتطلّبها الناموس (الشريعة). ومن بين الكهنة كان يتمّ اختيار أحدهم ليكون رئيس الكهنة، وكان يدخُل إلى قُدس الأقداس مرّةً واحدةً كلّ عام في يوم عيد الكفّارة ليضع دم الذبيحة على تابوت العهد (عبرانيين 9: 7). هذه الذبائح اليوميّة والسنويّة كانت تُغطّي خطايا الشعب مؤقتًا حتّى مجيء المسيّا ليرفع خطايا العالم. لذلك قال عنه الوحي المُقدّس «مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا للهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ» (عبرانيين 2: 17) ثم يُكرّر مرّةً أخرى في نفس الرّسالة «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ. لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ. فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عبرانيين 4: 14 -15). فالمسيح أعظم من أيّ كاهن لهذا يُدعى “رئيس كهنتنا الأعظم”، وهذا يمنحنا الجرأة أن «نَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْناً فِي حِينِهِ» (عبرانيين 4: 16).

يُناجي النبيّ داود ربّه ويتضرّع إليه ويصفه بالصّخرة، على سبيل المثال يقول: «إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَصْرُخُ. يَا صَخْرَتِي، لاَ تَتَصَامَمْ مِنْ جِهَتِي، لِئَلاَّ تَسْكُتَ عَنِّي فَأُشْبِهَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ» (مزمور: 28: 1)، «هَلُمَّ نُرَنِّمُ لِلرَّبِّ، نَهْتِفُ لِصَخْرَةِ خَلاَصِنَا. نَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِحَمْدٍ، وَبِتَرْنِيمَاتٍ نَهْتِفُ لَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ عَظِيمٌ، مَلِكٌ كَبِيرٌ عَلَى كُلِّ الآلِهَةِ» (مزمور 95: 1 -3)، «أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي. الرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلهِي صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلاَصِي وَمَلْجَإِي» (مزمور 18: 1 -2).
ثمّ يأتي الرسول بولس وهو يذكِّر اليهود بما فعله الله معهم أثناء فترة التيه في البريّة فيقول: «فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ، وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ، وَجَمِيعَهُمْ أَكَلُوا طَعَامًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ» (1كورنثوس 10: 1 -4). وكان الربّ قد أمر موسى أن يضرب الصخرة بعصاه مرّةً واحدةً حتى تُخرُج لشعب إسرائيل ماء ليشربوا منه. وكانت هذه الصخرة ترمُز إلى السيّد المسيح الذي قال عن نفسه: «مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (يوحنا 7: 38). فالمسيح هو صخرتنا التي نؤسَّس عليها حياتنا، وهو ينبوع المياه الحيّة التي تروي عطشنا الروحيّ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟