مبادئ إنسانية

الله يجمع شتات

38 مبادئ إنسانية :

كما تختلف البلاد يختلف أفراد البشر

ولا يجمع شتات عالمنا إلا محبة الله

في منزل من بيوت الرومان قبل ميلاد المسيح بمئات السنين وضعت الأم وليدها الأول

وفي الغرفة الخارجية سمع الحاضرون صراخ الطفل الوليد وفتح الباب ليدخل الأب ومن حوله الجيران ليجدوا الطفل راقد على الأرض ونظر الأب إليه ثم خرج من الغرفة دون أن يحمله وصمت الجميع فقد كان معنى ذالك أن الأب قد أصدر حكا بإعدام الطفل

ومعنى ذالك أيضا أن الأم المسكينة لن يسمح لها بإطعام الطفل بل عليها أنتتركه يبكي ون يحمله أحد الأقرباء ويتركه على الطريق العام لمصيره المظلم

حين قرأت هذه الصورة المؤلمة في تاريخ الشعوب حمد الله أنني لم أكن رومانيا ولم أكن من أهل هذه الحقبة المظلمة

إن تاريخ الشعوب وعادات القبائل إلى يومنا هذا تثير الأسئلة المحيرة حول عالمنا العزيز وما فيه من متناقضات عجيبة بين قمة الحضارة وقاعها وبين قمة الثراء وحضيض الفقر

إنه عالم عجيب

عالم مختلف

البلاد تختلف

حين ننتقل من موقع في بلادنا إلى موقع آخر ولو على بعد ساعة واحدة يدهشنا اختلاف الناس في الموقع الجديد عنهم  في الموقع الذي نحن فيه فاللهجة تختلف وجهة ووجهة النظر في أِياء كثيرة تختلف والاهتمامات تتجه إلى وجهات مختلفة أيضا

أما إذا انتقلنا بالطائرة في رحلة طويلة إلى بلد بعيد فإننا بالتأكيد نجد أناسا يختلفون عنا تماما في اللغة أو اللون أو الطباع كما يختلفون عنا في نمط الحياة أو سرعتها ولهم تقاليد تختلف عن تقاليدنا أو لهم نظم اقتصادية واجتماعية قد تتناقض تماما مع أنظمتنا وأساليبنا

قمع أنها أرض واحدة إلا أن لكل قطر من الأقطار شكله وثقافته وفنونه وتوجيهاته السياسية وسياسته الاقتصادية واهتماماته التعليمية ومبادئه الأخلاقية فضلا عن ملامحه الطبيعية والبيئة

فالبلاد المختلفة وإن تشابهت في بعض الملامح إلا أنها تتحدد تماما في أوصافها فالشعوب هي بصمات أصابع العالم التي لا تتكرر وإن تشابهت أشكالها بعض الشيء

والناس يختلفون

والأفراد داخل الوطن الواحد تضمنهم صفات مشتركة ولهم ملامح عامة تجمعهم ومع ذالك فهم فيما بينهم يختلفون كثيرا

الناس في البلد الواحد مثل  البلاد في عالمنا الواحد فهم يتفقون في عناصر إنسانية كثيرة إلى  حد التطبيق ويختلفون في عناصر إنسانية كثيرة إلى حد التناقض فمنهم الحار والبارد والجاف والمطير السهل والخشن البور والخصب

فبعض الناس كالمناطق الجليدية لهم قلب بارد وعواطف جامدة غليظة لا يتأثرون بأوجاع الناس ولا يبتهجون لأفراح الآخرين إنهم لا يتجاوبون مع دقات الحب ولا يتعاطفون مع مشاعر الود قلوبهم الباردة لا تستقبل المبادرات الدافئة عواطفهم صماء ليس لها أبواب

وبعض الناس كالبلاد المعتدلة: عواطفهم ربيعية مشاعرهم دافئة قلوبهم حانية وجودهم مشرق إنهم منفتحين للقاء تواصلهم دائم قلوبهم تخطوا نحوك محبتهم تنثر الورود في طريقك وجودهم نسمات ربيعية عطرة

بعض الناس كالمناطق الاستوائية الحارة: طبائعهم ساخنة ملتهبة حارقة إنهم كالبركان تتعامل معهم بحذر شديد فالحياة بالقرب منهم خطر عليك ليس لهم ظل يحميك من ضربات الشمس وليس في أيامهم ندى الفجر أو نسمات الصبح الرطبة

بعض الناس كالبلاد المطيرة: حضورهم رحمة وارتواء للأرض الجافة إنهم يملأون الحياة بالخصب والخضرة

وبعض الناس كالندى الرقيق : يبهجون وجه الصباح ينعشون الحياة يلونون الأرض بزخارف الربيع

والبعض كالسيول : لا تروي بل تقتلع وتحطم وتكتسح أمامها كل شيء

بعض الناس كالبلاد الشرقية: يأتون ومعهم النور والدفء يطلعون عليك بالإشراق والأمل والنهار المديد

والبعض كالمناطق القطبية المظلمة: حضورهم كالغيوم القاتمة مجيئهم يحجب النور حلولهم يجلب الوحشة والخوف

بعض الناس كالبلاد الصحراوية: رمال ممتدة وجبال موحشة وصخور قاسية حين تلقاهم تحس بالضياع والتيه والجفاف

والبعض كالوديان الخصبة: ظلالهم وارفه ثمارهم باسقة حين تلقاهم تلقى بيهم الخير والشبع

بعض الناس كالنهر الجاري: ضفافهم ملونة بالخضرة والزهور

والبعض كالمياه الراكدة تفيح منهم رائحة الموت وينمو حولهم العفن وتتجمع على سطح أيامهم أوراق الأشجار الميتة

بعض الناس كاليانبيع الحية الدافقة يفيضون عليك بالحيوية والنقاء

والبعض كالآبار العميقة : لابد أن تنزل أنت إلى أعماقهم لتخرج ما فيهم

بعض الناس كمناطق الكهوف: ممتلئون بالأسرار والخفايا التعرف عليهم مغامرة فربما تجد فيهم الخوف والفزع والموت

بعض الناس كالمناجم : إنهم مخازن للذهب والمعادن الثمينة لكن ذهبهم مختلط بالصخور ومعادنهم مغمورة في الأوحال من الصعب أن تكتشف نقاء معدنهم فهم يحتاجون إلى فريق من المهندسين والعمال لاستخراج خصائصهم من بين تراكمات الزمن القاسي

بعض الناس كالأنهار الجارية: صريحة واضحة مأمونة والبعض كالمحيطات العميقة سطحها هادئ وأعماقها مليئة بالأسرار والخفايا والغدر

ما أكثر الناس وما أعمق الاختلافات بينهم إنهم أبناء الأرض يختلفون كما تختلف مناطقها ويتشكلون كما تتشكل بلادها

الله يحب الجميع

مع كل هذا الاختلاف بين بلاد وبلاد ومع كل هذا التنوع بين الجبل والسهل والمحيط والنهر والجليد والرمل..الخ

هل يستطيع أحد منا أن يحب جميع بلاد العالم؟

هل يقدر أحدنا أن يعايش كل تناقضات الكون؟

هل يقدر مثلا أحد أفراد الإسكيمو الذين يعيشون في أكواخ الثلج هل يقدر  أني حس بمتعة الإقامة في الغابات الاستوائية الحرة أو العكس

إن كل واحد فينا نحن البشر يحب بلاده وقد يعشقها ويستريح للإقامة بها رغم صعابها لكننا في ذالك الوقت قد لا نتحمل أماكن أخرى أفضل من أماكننا وأكثر منها أمنا وخيرا

حين سقطت صخرة هائلة من صخور جبل المقطم في مصر فوق سكان الجبل مات عدد كبير ميتة شنعاء بعد أن سحقتهم الصخور تحت أقاض مساكنهم لقد غدر بهم الجبل الذي استأمنوه لكن الناجين من الموت قالوا:

إن الجبل بالنسبة لنا هو الجنة التي لا نريد أن نهجرها ونحن نفضل أن نموت تحت صخورها من أن نهجرها إلى البنايات الفخمة

إننا نحن البشر نحب مكانا بينما نكره مكانا آخر ونتحمل الإقامة في موقع بينما لا نطيق موضعا آخر

أما موقفنا من الناس فهو أكثر وضوحا من موقفنا من البلاد والمواقع ذالك لأن البلاد لا تناقشنا ولا تصطدم بنا وليس لها مصالح تتعارض معنا وليس لها مشاعر ضدنا أو قلوب تحقد علينا أو نحقد عليها

أما الناس فإنهم يحتكون بنا ونتعارض أفكارنا وأفكارهم وتصطدم مصالحنا ومصالحهم لذالك لا نستطيع بطبيعتنا البشرية أن نحب جميع الناس

إن إنسانيتنا مقيدة بأنانيتنا الطبيعية

لكن الله وحده يحب العالم وهو وحده يحب الناس جميعا

إن اله قادر أن يحب الأبيض والأسود الصالح والخاطئ المستقيم والضال الناجح والمتعثر المنتصر والمهزوم الشاكر والجاحد

الله سبحانه يقرأ خفايا قلوب البشر لكنه يقرأها من خلال معرفته بضعف الطبيعية البشرية الساقطة الضعيفة إنه يجد العذر لمن لا نرى له عذرا ويفيض حبا حتى على من امتلأ قلبه بالكراهية وينزل الخير حتى على الجاحدين المتذمرين ويرسل السلام ليرحم المتخاصمين المتحاربين

فليس الله سبحانه مصلحة شخصية لدى خليقته بل إن هدف الله هو سلام الخليقة وسعادتها

إن الله فيض من الرحمة والغفران يتسع لكل شعوب الأرض وهو يريد أن يقدم الرحمة للجميع لكي يخلص الجميع من مرض الخطيئة الذي أفسد طبائع البشر

إن الله لا يحب الخطيئة لأنها تقتلنا لكنه يحبنا جميعا ويريد أن يكسف لعيوننا طريقا للخلاص الأبدي

صرخة إنسانية

يا رب

نحمدك لأنك تحب العالم كله

وتحب جميع البشر

فنحن لا نقدر أن نرى أعماق الناس

ولا نعرف إلا القليل الظاهر

لذالك نصطدم بالكثيرين

لأن معرفتنا محدودة

ومحبتنا أيضا محدودة

نحمدك لأنك أ،ت العظيم القادر

ونحمدك لأنك أ،ت الحب المطلق

نعترف أن محبتنا محددة

وإنسانيتنا ناقصة

أفسدن الخطيئة روح الحب فينا

وغرست شهوة فينا روح الصراع

صارت طاقتنا للحب ضعيفة

وانتصرت فينا رغبة الكراهية والتذمر

فيا من أحببت العالم كله

خلصنا من محدودية الحب

خلصنا من سلطان طبيعتنا الساقطة

خلصنا من سم الخطيئة القاتل

اكشف لنا طريقك للخلاص الأبدي

اجعلنا عالما يليق بحبك

صالحنا مع أنفسنا

مع إخوتنا

مع ذاتك القداسية

يا رب

 

 

الله يجمع شتات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟