بريدك اليومي

وأُغلِقَ الباب

فَدَخَلَ نُوحٌ وَبَنُوهُ وَامْرَأَتُهُ وَنِسَاءُ بَنِيهِ مَعَهُ إِلَى الْفُلْكِ … كَمَا أَمَرَ اللهُ نُوحًا .. وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ ( تكوين 7: 7 ، 9، 16)

توضح لنا كلمة الله أن نوحًا بقي عشرات السنين يعمل في الفلك الكبير الذي يَسَع الكثيرين، وهو في كل تلك الفترة ظل يُنادي للناس مُحذرًا ومُنذرًا بالخطر، ولكنهم لم يسمعوا. وقد بقي باب الفلك مفتوحًا مدة طويلة ليدخل فيه أي مَنْ يشاء، بدون شرط ولا أجر ولا كُلفة. ولكن الناس استمروا رافضين التوبة هازئين مهملين مؤجلِّين، حتى جاء الطوفان، وحتى دخل نوح وبنوه إلى الفلك، وعندئذٍ أغلق الله باب الفلك عليه. ومتى أغلق الله فمَن ذا الذي يستطيع، بل يجرؤ أن يفتح – ولا نوح نفسه.

أخذ الطوفان في النزول فبدأ الناس يستفيقون، ولكن متى؟! بعد أن ضاعت الفرصة. وهل ينفع الندم؟ كانوا بالأمس لا يصدِّقون، واليوم أدركوا أن نوحًا كان صادقًا، ولكن جاء الإدراك متأخرًا، وما المنفعة؟ كانوا يسخرون من نوح ويتغامزون عليه كأن الرجل قد جنَّ، فظهر أنهم هم الذين كانوا يتصرفون تصرفًا جنونيًا لأنهم كانوا يهتمون كل الاهتمام بالحاضر الوقتي الزائل، وينسون كل النسيان مستقبل أرواحهم الأبدية الخالدة. استفاقوا كما يستفيق إنسان من سُكره – وقد كانوا فعلاً سكارى بملذات الحياة – وتجمعوا حول باب الفلك يطرقونه بأشد ما فيهم من قوة، وينادون نوحًا أن يفتح لهم، ثم يستعطفونه بأرق الكلمات وأحرّ التوسلات. وربما كانوا يقولون له: لماذا لا تفتح لنا؟ ولماذا تقصد تعذيبنا وإهلاكنا؟ هل يهون عليك أننا نهلك؟ هل يطاوعك قلبك الرقيق؟ وهل تسمح بذلك طِيبتك؟! وهل يُسلم بذلك صلاحك؟ أَلسنا نحن الذين كنت تعاشرنا فنخدمك، وتحنو علينا فنحبك؟ فينا الأشيب الهزيل والمرأة المسكينة، والرجل الذي هو محَط آمال زوجته وأولاده، فلماذا تقسو علينا؟ ثم يعودون فيصرخون من أعماق قلوبهم صرخات تفتت الأكباد وتُذيب القلب المتحجر: يا نوح! يا نوح! افتح لنا! وكأن نوح يطل عليهم ويُجيبهم: أمَا قلت لكم فلم تسمعوا. أمَا رجوتكم فما طاوعتم. إنني لا أستطيع أن أفتح لو أردت، لأن الرب هو الذي أغلق، ومتى أغلق الله فلا يستطيع أحد أن يفتح.

وبين الأخذ والرَّد كانت المياه قد طَمَت فغطتهم جميعًا، فراحوا ضحية الإهمال والتسويف والتواني. فو احسرتاه عليهم جميعًا! بل وا حسرتاه عليك – أيها القارئ العزيز – إذا كانت آخرتك تُشبه آخرتهم! إنها النهاية المروعة، فارحم نفسك يرحمك الله.

سبرجن

وأُغلِقَ الباب
وأُغلِقَ الباب
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟