مبادئ إنسانية

مقهور مغلوب محطم

41 مبادئ إنسانية :

من لا يقهر ذاته تقهره شهواته

نحتاج إلى روح الله ليمنحنا الحياة المنتصرة

عندما ولد عوض فرحت به الأسرة كلها فقد كان هو الولد الوحيد لأبويه بعد أخوات خمس لكن أكثر الناس سعادة به كانت جدته لأبيه فقد كان أبوه أيضا وحيدا ليسه له أخوة رجال ولذالك قالت الجدة يوم ولد حفيدها “لقد عوضني الله بيه خيرا بعد طوال انتظار فهو سيحفظ اسم أبيه وجده ويشرفنا في القرية كلها”

أغدقت الجدة على حفيدها فيضا من الحنان والعطاء والحب ولم تبخل عليه بشيء مما تستطيعه أو لا تستطيعه

وكبر الطفل وقطع شوطا في التعليم الصناعي ثم احترف مهنة البناء وصار نجارا لأعمال التسليح

وعرف عوض السهر مع شلة الأصدقاء ثم عرف المخدرات وأوصلته المخدرات إلى النهاية المعروفة مع الإدمان والفقر والجريمة والضياع

حاولت الأسرة تقويمه فلم تفلح فقد كان عوض قد استسلم تماما لحياة الضياع وتملكته شهوات النفس وقهرته رغباته الجامحة فصار ذليلا أمام رائحة الكيف وسلطان المخدرات

وحين ضاقت الأسرة به طردته من البيت وقاطعه الجميع وأحس أبواه وأخواته بالعار فأغلقوا أبوابهم دونه

إنسانة واحدة هي التي فتحت له قلبها وبيتها فاحتضنته بعد أن لفظه الجميع كانت هي الإنسانة هي جدته العجوز

وكثيرا ما تألم عوض وهو يرى جدته تكافح لتدبير معيشتهما معا وكثيرا ما قرر أن يعمل ليوفر لها الطعام والعلاج لكن مشاعره الطيبة كانت تتجمد في برود الليل وهو يسعى إلى الحارات القذرة ليحصل على جرعة الكيف ويترك هناك ما حصله في نهاره الطويل

ومرت أيام صعبة على الجدة العجوز نضب فيها رحيق الحياة عروقها لكن الحب في قلبها لم ينضب كانت كلماتها الحانية المشجعة تحاول أن ترده إلى صوابه لكنه كان قد فقد الصواب وفقد العزيمة وفقد الطريق

وليلة كئيبة ألحت عليه الرغبة في شراء المخدر فلم يجد لذالك سبيلا كانت الجدة قد استسلمت للنوم فأخذ يعبث في دولابها القديم وجد قطعة الحلي الوحيدة التي ادخرتها الجدة لسداد نفقات جنازتها كما تفعل كل الفقيرات في القرية وقبل أن يترك الغرفة ليختفي في الأزقة الضيقة استيقظت الجدة وعرفت ما فعله فأمسكت به تستعطفه وترشده لكنه قد صار مقهورا ساقطا أمام شهوته

وفي لحظة من لحظات القهر دفع جدته العجوز لتسقط على الأرض فاقدة الوعي

وحين عاد عوض إلى البيت الوحيد المفتوح له كان البيت قد صار باردا كجسد جدته التي فارقت الحياة

ما أشقى الإنسان الذي تقهره شهواته

المقهور

استطاع الإنسان أعظم مخلوقات الله أن يحقق انتصارات كثيرة في كل مجالات الحياة وصعد الإنسان إلى أعلى مراتب العلم والمعرفة وبلغ الإنسان ذروة الرقي الاجتماعي والأدبي واستطاع الإنسان أن يقهر الجبال والبحار والفضاء واستطاع أن يروض الوحوش ويخضع الطبيعية

 لكن الإنسان المسكين مهزوم أمام أِياء صغيرة فهو يضعف أمام رغبات النفس ورغبات النفس قد تكون عالية سامية وقد تتدنى إلى أدنى الدركات

أمام أحد المحلات الكبيرة وقفت سيارة فارهة نزلت منها إحدى سيدات المجتمع المعروفات وما إن وضعت قدمها في المحل الكبير حتى اتجهت إليها الأنظار وأسرع الجميع لتلبية احتياجاتها وفي قسم المجوهرات أخذت تتأمل القطع المعروضة فلم يرق لها شيء مما رأت فأسرع المسؤولون بفتح الخزائن الخاصة فلمثل أولئك الكبار تفتح الخزائن وأخذت السيدة تقلب القطع الثمينة بين يديها وسط ترحيبات العاملين وقبضت السيدة على خاتم ماسي صغير واشتهته شهوة جامحة أفقدتها صوابها وعقلها فإذا بها تدسه ي جيبها في لمحة بصر دون أن يلحظها أحد فهي فوق جميع الشبهات

وعند الباب الخارجي كانت الفضيحة المرة التي مرغت في التراب وجه السيدة من وجوه المجتمع الراقي

أليست هذه السيدة مثلا مقهورة أمام خاتم صغير

أليست هذه السيدة مهزومة أمام شهوة جامحة استطاعت أن تمرغها في التراب والوحل

وهناك نماذج كثيرة للضعف الإنساني الذي لا حدود لدناياه

لكن هذا السقوط أمام مغريات الحياة المتنوعة ليس من خصائص هذه السيدة بالذات فالضعف الإنساني أمام شيء ما هو من خصائص البشر عامة الفارق الوحيد بين هذه السيدة وبيننا هو أن شهواتها قد افتضحت في عين المجتمع بينما نستميت نحن في إخفاء شهواتنا والتستر على خطايانا

هذه الذات التي فينا

لكل إنسا في الوجود نفسا تأمره بالسوء

ولكن بني البشر ضعفات إنسانية متأصلة وميول بشرية ساقطة تدفعه إلى الهوان

ونحن عادة نلبس الأقنعة أمام الناس فلا يقرأ الناس ما بداخل قلوبنا من رغبات قبيحة

نحن من خلال نظارتنا البريئة أن نخفي ما نبطنه من شهوات دنيئة

والواقع إننا إذا أخلصنا القول وإذا صارحنا أنفسنا لإستطاعنا أن نواجه أنفسنا بالحقيقة المجردة وهي أننا مهزومون مقهورون أمام شهوات النفس

المشكلة الكبرى في حياتنا هي أننا لا نلبس الأقنعة الزائفة أمام الغرباء فقط بل نلبسها أمام المرآة أيضا إننا لا نريد  أن نرى أنفسنا ساقطين مهزومين مقهورين ولذالك فإننا نضع فوق رؤسنا تيجان النصر ونبتسم لأنفسنا في المرآة وبذالك نحقق لأنفسنا السعادة الزائفة تحت أقدام شهوتنا وضعفاتنا المتجبرة

المواجهة

لعل أولى خطوات الحياة المنتصرة في معركة الإنسان الروحية هي مواجهة النفس بدخائل الأمور التي لا يعرفها أحد سوانا

والخطوة التالية هي الاعتراف بالضعف والسقوط والفشل والشهوات الجامحة المشتعلة

والخطوة الثالثة هي الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى والضراعة المخلصة كي يمنحنا روح القوة روحا من خارج أنفسنا قوة من معدن إلهي طاهر يغير طبيعتنا الشهوانية التي تشتهى التراب

إننا لا نستطيع سوى التجمل والتخفي لكننا لا نقدر أن نغير طبيعتنا

إننا بإمكاناتنا الذاتية لن نستطيع أن نحرر ذواتنا أو نقهر شهواتنا لكن الله وحده يستطيع أن يحررنا وأن ينتصر فينا

من يستطيع سوى الله سبحانه وتعالى أن يشبع قلب الإنسان الجائع؟

من يستطيع أن يقهر الخطيئة التي تعيش في داخلنا وتستدرجنا في السر والعلن؟

إن قوة الله المحررة هي وحدها تحرر الإنسان وترفعه فوق دنياه

إن قوة روح الله وحده التي تقهر شهوة النفس وشهوة العين

إن قوة روح الله وحده تمنح حياة جديدة حياة منتصرة

صرخة إنسانية

يا رب

كثيرا ما خدعت نفسي

لبست أقنعة المنتصرين

ووضعت لنفسي باقات الزهور

أقمت لذاتي أقواس النصر

ووقفت أمام المرآة في ثقة الفرسان

والحقيقة التي لا يعرفها سواك

هي أني

مقهور مغلوب محطم

فبداخل قلبي تعيش الشهوة

والرغبة

وحب الذات

والأنانية

والأفكار الساقطة

والخداع والإدعاء والكذب

إنني أستقيم أمام الناس

وانحنى أمام الشهوات

لذالك أجئ إليك يا رب

أحمل معي تجاربي الفاشلة

ونفسي الساقطة

وإرادتي الضعيفة

أطلب قوة روحك

ترفعني فوق دنايا شهوتي

أملأني بقوة من عند

قوة من ذاتك

فستنير روحي

فأتحرر من جسدانيتي وسقوطي

يا من تنصف المقهورين

أنقذني من نفسي

خلصني من خطيتي الكامنة في

أعماقي

يا رب

مقهور مغلوب محطم
مقهور مغلوب محطم

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟