دراسة من الكتاب

لماذا لا يؤمن المسلمون بموت المسيح (٢)

دراسة مسيحية لآية النساء ١٥٧

كما قلنا في المقال الأول، إن آية النساء ١٥٧-١٥٨، “… ما قتلوه وما صلبوه لكن شبه لهم…”، لا تنفي موت المسيح. فإذا كان حقًا المسيح لم يمُت، لقالت الآية أنه لم يمُت؛ عندها يكون القول واضح بأن المسيح لم يمُت. أما “ما قتلوه” فهي بالعكس، تؤكد على وجود شخص قد مات، وتحاور فيما إذا كان اليهود قد قتلوه، أم هو قد مات من قبل إناس آخرين، أم هو بذل نفسه بنفسِه، لأنه معطي الحياة، ولا يقدر أحد في أن يأخذ حياته أصلاً.

إن القصد من دراسة مسيحية للآية، هو إظهار الطرق العلمية في تحليل أي نص قديم، وإبراز الطرق التي فيها يحدد المسيحيون العقيدة والإيمان، وهي طرق ثابتة، قوية، تفسر النصوص بالنصوص، بشكل يتوافق مع الأسلوب الأدبي لها. فسنرى من خلال هذا المقال كيف أن فقهاء الإسلام ليسوا فقط يبنون حجتهم على آية وحيدة يتيمة لا تنفي موت المسيح، بل يتجاهلون آيات أخرى تُدَعِّم موته، ويختارون بأن يدعموا تلك الآية بأساطير كثيرة ومتضاربة، مما يجعل حجتهم واهية هشة لا تتماشى مع منطق أي إنسان بسيط يريد أن يفكر.

أما الآن سنتابع عن موضوع نفس الآية أن اليهود لم يقتلوا المسيح، بل شبه لهم؛ أي أن ذلك كان في مخيلتهم فقط. 
فهل يوجد في القرآن آيات أخرى تستخدم نفس الأسلوب؟

نعم توجد آية أخرى تستخدم نفس الأسلوب، وهي سورة الأنفال ١٧:
” فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”.
تفسير القرطبي للآية:
قوله تعالى “فلم تقتلوهم لكن الله قتلهم”، أي يوم بدر. روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدروا عن بدر ذكر كل واحد منهم ما فعل: قتلت كذا، فعلت كذا؛ فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك. فنزلت الآية إعلاما بأن الله تعالى هو المميت والمقدر لجميع الأشياء، وأن العبد إنما يشارك بتكسبه وقصده. وهذه الآية ترد على من يقول بأن أفعال العباد خلق لهم. فقيل: المعنى “فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم” بسوقهم إليكم حتى أمكنكم منهم. وقيل: ولكن الله قتلهم بالملائكة الذين أمدكم بهم.
إذًا هنا في هذه الآية يقول المسلمون بأنهم هم قتلوا أعدائهم، لكن تقول لهم الآية أنهم لم يقتلوهم لكن الله هو الذي قتلهم؛ فهل هذا يعني أن أعدائهم لم يموتوا على أيديَهم؟ 
فإذا أردنا أن نطبق مبادئ التفسير العلمية على القرآن، التي نستخدمها مع أي نص قديم؛ ونظرنا إلى أسلوب النصوص في آيات أخرى مثل هذه، نجد أن قول القرآن، “ما قتلوه وما صلبوه”، قد تؤكد أيضًا أن المسيح مات لأن الله أماته، وليس لأن اليهود قتلوه بالصلب. 
كذلك أيضًا آل عمران ١٦٩ تقول: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل هم أحياء عند ربهم يرزقون” (راجع أيضًا البقرة ١٥٤). تتكلم عن أناس ماتوا في سبيل الله، لكنهم لم يموتوا، بل هم أحياء عند ربهم.

أيضًا يتجاهل تمامًا الفقهاء وجود آيات أخرى عديدة تؤكد موته مثل سورة مريم ٣٣:
” والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا”، قبل البعث، يوجد موت هنا (راجع أيضًا آل عمران ٥٥ والمائدة ١٢٠). 
عادة يدعَّم فقهاء الإسلام آية النساء ١٥٧، بما يسميه المسلمون بتفاسير، مفادها بشكل عام، أن المسيح اسُتبدل بشخص آخر قبل الصليب، وصلب ذلك الشخص الآخر مكانه. أما المسيح، فأنقذه الله من الموت، سرًا، ورفَّعه إليه. طبعًا بعض الروايات تقول أن المسيح طلب من أتباعه قائلا: “ من منكم يريد أن يكون رفيقي في الجنة؟” فبادر أحدهم ليموت عوضًا عن المسيح. طبعًا هذا يتماشى مع ما يفهمه المسلمون عن طبيعة نبيِّهم، بأنه يطلب من أتباعه بأن يموتوا لأجله. فالقائد، بحسب فهم المسلمون، هو الذي يتسلق على دماء أتباعه. أما المسيح، فأتى ليبذل نفسه لأجل أتباعه، حيث قال:
” لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأت ليُخدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسَه فديةً عن كثيرين.” مرقس ١٠: ٤٥. 
أما من وجهة نظر مسيحية وعلمية للتفسير، لا نسمي هذه الروايات تفاسير، بل نظريات، أو إن جاز التعبير أساطير؛ لأنه لا يوجد لها أي أساس لا في القرآن ولا في الأحاديث.
الأمر الآخر التي عادة يدعم به فقهاء الإسلام آية النساء ١٥٧، هو المنطق. فيقولون بأنه لا يُعقل أن الله يسمح بأن نبيه المسيح يُقتل. هذا أيضًا يتضارب مع القرآن، حيث أن القرآن يؤكد مرارًا وتكرارًا بأن اليهود في القديم قتلوا بعضًا من أنبيائهم، مثل البقرة ٨٧:
“وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ “ إن هذه الآية تؤكد قتل اليهود للمسيح أيضًا، حيث أنها تذكر النبي موسى، وبعده عيسى، وتبين بوضوح ما فعل اليهود لهما، “فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ (يقصد موسى ) وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (يقصد عيسى )” وإلا، لماذا يذكر أسميهما هنا في نفس الآية، وفي نفس الترتيب؟ 
(راجع أيضًا: البقرة ٦١ و٩١ آل عمران ١١٢).

اليهود لم يقتلوا المسيح، لكنه مات لأنه هو بذله نفسه بنفسه:

في نهاية هذا المقال، أود أن أقول لكل مسلم أن لاهوت العهد الجديد يُعَلِّم بأن البشر لا يمكن أن يقتلوا المسيح، لأنه مثل الله الآب له حياة في ذاته كما قال:
” لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطيَ الإبن أيضا أن تكون له حياة في ذاته.” يوحنا ٥: ٢٦.
لذلك قال يسوع عن موته هذه الكلمات في يوحنا ١٠:
” 17 لِهَذَا يُحِبُّنِي الآبُ لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً (لأني سأموت، وأقوم أيضًا). 18 لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي (ليس أحد يقدر أن يميتني) بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي (أنا أقرر أن أموت من ذاتي). لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً (أي لي سلطان تام على حياتي وعلى موتي وقيامتي). هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي. “
من أين للمسيح هذا السلطان؟ 
لأنه أقنوم الله الابن الظاهر في الجسد، واهب الحياة كما قال بعدها في نفس الأصحاح:
” 27 خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. 28 وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي.”
فمانح الحياة لا يمكن أن يُقتل، فالذين قتلوه شبه لهم ذلك، لأنهم لا يقدرون أن يقتلوا المسيح، مانح الحياة. لكنه مات من ذاته، لكي يفدي جميع البشر من الموت والجحيم.

لذلك كان يجب على المسيح وهو على الصليب أن يقرر بأن يموت بنفسه، لذلك نرى أن الأربع بشراء نقلوا لنه آية فريدة؛ تقول بدقة أن المسيح مات بعدما أسلم بذاته روحه:
” فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. ” متى ٢٧: ٥٠ (أيضًا مرقس ١٥: ٣٧ ولوقا ٢٣: ٤٦ و١٩: ٣٠).

إذا يا أخي المسلم، بعد هذا المقال أريد أن أواجهك بالحقيقة، وهي أنك تبني مصيرك الأبدي، ليس حتى على القرآن أو الأحاديث؛ بل على أساطير الفقهاء من روايات استبدال المسيح عند الصليب. إن أبسط الأساليب لتفسير أي نص قديم، هي ليست الأساطير والنظريات، بل تفسير الآية بالآية، النص بالنص، والأسلوب بالأسلوب. لذلك، كما رأينا حتى الآن، إن آية النساء ١٥٧، لا تنفي موت المسيح، ويوجد آيات أخرى كثيرة تُدَعِّم موته، وتبرز المعنى لصيغة “ما قتلوه”. إن اليهود بالرغم من أنهم بادروا بقتل المسيح، لم يأخذوا حياته، لكنه بذل نفسَه بنفسِه، ومات على الصليب، لأجل خلاص جميع البشر ولأجلكم أنتم أيضًا. لكنة لم يبقى في القبر كباقي البشر، بل قام وانتصر على أعظم مشكلة في حياة الإنسان – الموت؛ لذلك قال لنا:
” … إنِّي أنا حيٌّ فأنتم ستحيون.” يوحنا ١٤: ١٩.

 

لماذا لا يؤمن المسلمون بموت المسيح (٢)
لماذا لا يؤمن المسلمون بموت المسيح (٢)
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟