مبادئ إنسانية

سدد حاجتي

58 مبادئ إنسانية :

حين تتكاثر الضغوط وتنعدم فرص النجاة

ويتنامى اليأس ارفع عينك إلى السماء

صباح فتاة ريفية فقيرة تزوجت كغيرها من بنات الريف وهي لا تزال طفلة صغيرة وانتقلت لتعيش مع زوجها وأهله في مكان عشوائي عند أطراف إحدى المدن

كان البيت يضم الوالدين والأشقاء والشقيقات وعددا من الأقرباء يعيشون جميعا في غرف رمادية متواضعة مبنية بالطوب اللبن ومطلية بالطين وتطل على فناء مكشوف حوش ملئ بالقاذورات والحفر والمنقولات القديمة

وكعادة الكثيرين من أهل الريف صارت صباح وقبل أن تبلغ الثلاثين من عمرها أما لثمانية أطفال يعيشون على الكفاف

وللقارئ أن يتخيل حجم المعاناة والشقاء والواقع على عائق فتاة صغيرة أصبح عليها أن تخدم قبيلة من البشر وأن تعني بشؤون الصغار والكبار وترتيب بيد خاوية إحتاجاتهم من طعم وشراب وكساء وهي التي لم تنعم يوما بأدنى قدر من الراحة والكفاية لكن الفقراء في بلانا لا يعرفون الشكوى ويؤمنون أن عليهم أن يتحملوا أقدارهم بالصبر والرضا مهما كانت الضغوط الواقعة عليهم وللحق فقد كانت الضغوط شديدة وساحقة وطاحنة

وتوالت المتاعب فقد تزوج الأخ الأصغر بفتاة متعلمة قيل أنها تحمل الشهادة الإعدادية وكان ذالك يؤهلها للحصول على مكانة خاصة سواء في البيت أو بين سكان المنطقة فلعلها الوحيدة بين نساء المنطقة التي تستطيع أن تقرأ خطابا أو إعلانا وهي الوحيدة التي يمكنها أن تمسك قلما وورقا وكتابا لذالك أعتبرها الجميع من طبقة أعلى وأرفع وأسمى من بقية الخلق وأصبحت مستشارة البيت متى عجز الحكماء ومع أن صباح وسلفتها كانتا تعيشان في بيئة ترتب احتراماتها واعتباراتها على أساس السن الأكبر أولا ثم الأصغر فإن العروس الجديدة صارت هي صاحبة القول النهائي في شئون العائلة رغم حداثها ورغم أنها زوجة الأخ الأصغر

كانت القادمة الجديدة تمثل ضغطا إضافية على الصباح التي أحست بالتضاؤل والذل والمهانة أما غريمتها التي كانت أيضا أصغر وأنضر وأعلم منها وكان على بحكم هذه المعطيات أن تطعيها وتخدمها وأن تسير في آخر صفوف تابعيها ولا بد أن هذا كله زاد من الضغوط النفسية القاتلة على كيانها المتهالك

وتفاقمت المشكلة أكثر فلأن الزوجة الصغيرة ذات علم ودلال وسلطة فإنه لم يكن من اللائق أن تعيش في بيت من الطين لذالك بنت لها العائلة في حوش المنزل بيتا من الطوب الأحمر وأضاف ذالك عبئا جديدا وضغطا شديدا على الزوجة المطحونة ثم رزقت الزوجة الجديدة بطفل ذكر جميل فالتف  حوله الجميع وكانت صباح قبل مولد هذا الطفل تحسب أن لديها شيئا تتميز به على غريمتها هو الخصوبة وهو أمر له قيمته العظمى في الأوساط الشعبية فلما أقتحم حياتها هذا المولود الجديد وشد إليه الاهتمام تحطمت آخر الدعامات التي كانت تستند إليها وسقط آخر الأوراق التي تتشجع بها وتحتمي خلفها من الانهيار النفسي الوشيك

ومرت سنوات خمس كبر فيها الصبي في جو من العناية فهو الابن الوحيد لوالديه وليس كأبناء صباح الجياع العراة المطروحين في تراب الحوش يقضمون أظافرهم ويأكلون فروع الشجر

وقد أدى كل هذا إلى تزايد الضغوط على نفس صباح وأكلها الحقد والحسد والضغينة والنقمة والإحساس بالظلم ثم الإحساس بالعجز وانفجرت صباح

لكن كيف انفجرت؟

قتلت صباح الابن الجميل المدلل دفنته حيا تحت الرمال والأحجار والأتربة في حفرة بحوش البيت ثم استخرجت جثته وألقتها للكلاب الضالة لتنهش أطرافه الطرية وللحكاية بقية لكننا لا نريد أن نسرف في روايتها

هل هي مظلومة سقطت ضحية للضغوط؟

لا نجرؤ مطلقا أن ندافع عنها فالجريمة التي اقترفتها فوق كل تصور بشري

هل هي جريمة أم جاهلة أم حقودة أم حمقاء أم مختلة أم مسكينة؟

لا نعلم تماما فربما تكون هذه الأشياء وأكثر ولكن ما نعلمه يقينا هو أن الضغوط العنيفة حين تأتي من خارج أنفسنا فإنها تسحقنا وحين تأتي من داخلنا فإنها تفجرنا

المشكلات والضغوط

هل المشكلات هي الضغوط؟

ما هو الفرق بينهما؟

هل تنشأ المشكلات في حياتنا بسبب الضغوط التي تقع علينا أن تنشأ الضغوط بسبب تراكم المشكلات؟

هل تعالج الضغوط مثلما تعالج المشاكل؟

المشكلات والضغوط نوعان من المتاعب الإنسانية التي يتعرض لها البشر ورغم اختلاف الضغوط والمشكلات إلا أن التفرقة بينهما قد لا تكون سهلة وذالك لشدة تداخلهما فالضغوط حين تجئ تكشف عن مشكلات قديمة كامنة وقد تولد مشكلات جديدة كما أن المشكلات حين تتراكم تتحول إلى ضغوط شديدة

نستطيع أن نعرف المشكلة بأنها سؤال يحتاج إلى إجابة وفي اللغة الإنجليزية يستخدم لفظ واحد للدلالة على المعنيين مشكلة = مسألة= Problem فإذا وجدنا الحل إختفت المشكلة وإذا لم نجد الحلول تتراكم المشكلات وتتحول إلى ضغط شديد علينا

والمشكلات مسائل عابرة تعترض حياتنا أما الضغوط فهي أثقال تعتلي أكتافنا وتركب فوق ظهورنا وتسكن أعماقنا

الضغوط نوع من الحصار على النفس والإنسانية من جميع الجهات يضغط ويسحق ويسل الحركة ويقيد الحرية

من أين تأتي الضغوط؟

هناك ضغوط عامة تأتي من خارج أنفسنا وهي كثيرة ومتنوعة نتناول منها:

الضغوط المادية: والتي تفرضها تزايد الالتزامات والمصروفات وضعف الدخل وارتفاع التكاليف

ضغوط المسؤوليات المتعددة: فكثيرا ما نجد أنفسنا تحت أعباء مسؤوليات متعددة واهتمامات متشبعة منها مسؤوليات العمل ومسؤوليات البيت والمسؤولية تجاه الأهل والجيران وغير ذالك وقد تتحول هذه المسؤوليات إلى ضغوط ثقيلة إذا قلت الدخول وانعدمت الوسائل المساعدة والتعاونية

ضغوط بيئية: حين يجد أحدنا نفسه في بيئة لا تناسبه وبين زملاء جيرة أو عمل أو دراسة لا يستريح إليهم ولا يتوافق مع أخلاقيتهم أو سلوكياتهم أو توجيهاتهم

ضغوط التقاليد المخالفة: فقد يعيش الإنسان تحت وطأة تقاليد سائدة لم يألفها رجعية أو سلفية أو تحريرية تمثل ضغطا على سلوكياته ومشاعره وتفرض عليه أن يتحرك بخطوات محسوبة وأن يتحدث بكلمات حذرة

ضغوط الإحساس بالظلم: تجاه أب متسلط أو معلم مستبد أو رئيس متحيز أو زوج أو زوجة ضاغط..الخ

ضغوط الإحساس بالعجز: أمام احتياج شديد أو مرض مزمن أو مشكلة مستعصية

أقسى الضغوط

غير أ، أقسى الضغوط هي التي تتفجر داخل النفس الإنسانية نتيجة لتراكمات كثيرة من المشاعر السلبية كالخوف والحقد والمرارة والكراهية والإحساس بالذنب وروح النقمة وغير ذالك من المعاول الهادمة التي تحول قلب الإنسان إلى مخزن متفجر ملئ بالألغام

 هذا النوع من الضغوط هو الذي يحطم الإنسان ويقتله قتلا بطيئا أليما ساحقا إنه الجمرة الخبيثة الفحمة التي تنتهي إلى الموت

الملجأ

حين تتكاثر الضغوط وتنعدم فرص النجاة ويتنامى اليأس يصبح الإنسان لقمة حلوة لفم الشيطان الذي يتربص به فيقوده إلى الفناء من مداخل الجريمة أو الانتحار فقبل أن تسحقك الضغوط الخارجية وقبل أن تفجرك الضغوط الداخلية أرفع وجهك للسماء فليس لنا ملجأ آخر

إن الله سبحانه رافع الأثقال وغافر الذنوب ومطهر القلوب وواهب السلام ومفرج الكروب فدعه يرفع ما فوق كتفك من الأحمال الثقيلة ويطفئ ما أشتعل في داخل قلبك من المشاعر القاتلة

صرخة إنسانية

يا رب

ليس سواك ملجأي

حين تثقل يد الأيام

فأرفع عني ما لا طاقة لي على

حمله

سدد حاجتي

وأعني على الأيام

خفف عن عالمنا المثقل

وأعط قوة للساقطين

المنكفئين تحت أحمالهم

أطفئ نارا تتأجج في داخلي

أرح قلبي من ثقل مخاوفي

ارحني من مرارة الخطيئة

ومن ثقل الذنب

حررني من ضغوط الشر

من الأصوات الخادعة

أشرق بنورك على حياتي

وأطرد ظلام أحقادي وتعصبي

عالج مرارتي بحلاوة حبك

وأشف ظلمتي بنور حضورك

أكشف لي عن سر سلامك

وأرشدني إلى طريق الراحة

والخلاص

هبني السلام الداخلي

سلام اليقين في غفرانك وقبولك

لي

يا رب

سدد حاجتي
سدد حاجتي

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟