مبادئ إنسانية

تلونت بكل الأصباغ

51 مبادئ إنسانية :

الناس جميعا مثل حبل غسيل في مصبنة تنوعت فوقه الألوان

اله وحده هو الذي يبيض قلوبنا

ويغسلها من البقع السوداء والبقع الرمادية

في كتاب عنوانه رحلة في دروب الحياة من تأليف الباحث الكيميائي رودي لانك وترجمة د. عادل كمال قرأت الاختبار التالي الذي سجله الكاتب تحت عنوان الزنزانة حيث يتحدث في احد فضول كتابه عن رجل شريف يدعى بونيفار

وقصة هذا الرجل هي واحدة من قصص العظماء الذي لا يتلونون والذين يثبتون بدمائهم أن الرجال معادن كريمة ذات ألوان وضاءة لا توثر فيها النار فقد استطاع هذا الرجل بصموده ونقائه أن يفجر النور في زنزانته المظلمة على حيت امتلأت قصور السادة بالظلال السوداء والعتامة رغم الثريات المضيئة والأنوار الساطعة

ينقلنا الكاتب إلى أحد الحصون السويسرية القديمة فيقول

ربما يعد حصن شيلون المقام على جزيرة في بحيرة جنيف واحدا من أروع الآثار التاريخية وأكثرها تشويقا ومتعة للنظر في سويسرا وكم شهدت أبراجه وحجراته المرتفعة وكذا زنازينه وقبائه تحت الأرض من أحداث ومشاهد يضرب بها المثل في الوحشية

هبطت إلى التجويف الشاسع ذي السراديب الذي يقع تحت القاعات الفخمة التي كان يحتلها الدوقات قبل مئات السنين هناك حفر في الصخر ستة عشر سردابا من الطراز القوطى تدعمها سبعة أعمدة يقوم عليها سجن مظلم رهيب

إنها تجربة تبعث الرهبة في النفس أن تقف هناك وتفكر في أولئك التعساء الذين ذاقوا العذاب في هذا المكان منذ 650 عاما وكان أغلبهم قد إتهموا ظلما بإدخال الطاعون

في هذا المكان الرهيب الذي لا يكاد يتسلل إليه شعاع واحد من الضوء سجن الوزير بونيفار حيث قيدوه بالسلاسل إلى أحد الأعمدة لمدة أربع سنوات طوال

وقفت هناك يلفني الإحساس بالعذاب والموت من كل جهة وسرت في نفسي رعدة من منظر الصخر البارد الداكن وجمود الصمت الذي لا يقطعه  إلا صوت ملاطمة الأمواج لجدران الزنزانة من الخارج أخذت أقرأ ما دونه السجناء على الأعمدة فكان ينتابني شعور متزايد بالقهر والذل

إن هذا العمود عينه الذي أوثق به بونيفار قد شهد مقاومته للظلم وإيمانه وتشبثه بتحدي الحكام غير الأتقياء ولم يستسلم مرة واحدة بل واصل مقاومته ليلا ونهارا صيفا وشتاءا لكل الظلم الذي تعرض له لقد تحمل الظروف غير الصحية وتجرع العقوبة الشنيعة بينما الأمراء والدوقات يحتفلون ويتنعمون فوقه بأمتار قليلة

استندت إلى هذا العمود الذي كان أقرب إليه من الناس وأخذت أتأمل المظالم التي قاسها بونيفار هذا منذ نصف قرن

ثم أرتقيت السلالم ببطء وصعدت إلى قاعات المآدب فوق وهناك رأيت اللوحات المطرزة وأعمال الجبس التي تنم عن عادات تلك العصور البائدة إلا أنها لم تعن شيئا بالنسبة لي أما الحجرات الفخمة التي امتلأت بروعة وأبهة البلاط الملكي فلم تترك في نفسي أي أثر حقا لم يكن أصحاب الفخامة هم أبطال ذالك العصر الحقيقيون بل ساكنوا الزنزانة الأمناء الأبرياء

الناس ألوان

بالرغم من تشابه البشر بصفة عامة في تركيبهم البيولوجي إلا أنهم قد يصطبغون مع الأيام بألوان مختلفة تحكم سلوكياتهم واتجاهاتهم  وألوان الناس لا صلة لها بلون بشرتهم أو ملامح أجسادهم لكنها قد تتصل اتصال شديدا بميولهم ودوافعهم

من الناس من هو شفاف كالبلور ومنهم من هو ناصع البياض كالثلج ومنهم من هو أسود كالفحم ومنهم من هو رمادي كالتراب أو كالح كالرمال ومنهم من اصطبغت حياته بحمرة الدماء

فكيف تتلون الحياة؟

وهل تتلون حياتنا دون أن ندري؟

هل تولد ألواننا معنا أم تتلون وجوهنا في مسيرة العمر؟

هل نحن نصنع ألواننا أن تلقى بها عينا ظروف الحياة؟

كيف تتلون حياة البشر؟

هناك نظريات كثيرة يتداولها المفكرون حول ألوان البشر:

فهناك من يقول إن الإنسان يولد ناصعا كلوحة بيضاء ثم تتلون حياته أو تتبقع بألوان مختلفة تصنع صورته فيصبح ترابيا أو فحميا..الخ ولو صدقت هذه النظرية لقلنا إن أفضل الناس هم أولئك الذين لم يخرجوا قط عن أبعاد طفولتهم ولم يحتكوا مطلقا بالحياة المتسعة وإن أكثر الناس تلوثا هم أكبرهم سنا وهذا ظلم فادح لآبائنا وأجدادنا وشيوخنا

وهناك نظرية تقول إن الإنسان يولد منحرفا ميالا إلى الخطيئة والشرور فهو يولد بطبيعة سوداء كقطعة الفحم ولكنه مع الأيام يستنير بالمعرفة فتستضئ حياته يوما بعد يوم حتى يبلغ الاستنارة الكاملة

وهي نظرية قامت عليها كثير من الديانات الآسيوية القديمة فالمضمون هنا هو أن المعرفة تمنحنا اللون الناصع ولو صدقت هذه النظرية لقلنا مساكين هؤلاء الصغار الذين لم ينالوا شيئا من المعرفة بعد فهم أظلم الناس ومساكين جميع الشبان والشابات والأحداث فهم يعيشون أفضل سنوات العمر بألوان داكنة لم تبيض بعد

ويميل الكثيرون إلى نظرية تقول  أن البشر يولدون بلا لون ثم تلونهم الحياة بألوانها المختلفة بحسب البيئة والظروف المعيشية ولو كان هذا صحيحا فلماذا نجد في البيئة الواحدة والنشأة الواحدة ألوانا مختلفة من الناس؟

ويقول آخرون إن البشر يولدون شفافين لكن أعمالهم تلون حياتهم فيتلون اللص مثلا بلون الليل ويتلون السفاحون مثل هتلر وموسوليني وغيرهم بلون الدم..الخ وهذه نظرية تبدو معقولة غير أنها تترك عامة البشر من غير ذوي الألوان الصارخة تتركهم في مساحات رمادية باهتة وفي ذات الوقت تجعلنا نفقد أصحاب الحياة البيضاء فما دامت أعمالنا هي التي تولننا فإنه من المستحيل أن نجد من البشر من لم يفعل في حياته خطيئة واحدة وحقق كمالا مطلقا فظلت حياته وأفكاره بيضاء ناصعة لم تشبها شائبة قط

فما هو الصحيح وما هو الخطأ في كل هذه النظريات وغيرها الكثير؟

لا شك أن ما نراه من ألوان في حياة الناس هو النتاج النهائي الذي شاركت فيه طبائعهم وميولهم وأعمالهم واختباراتهم معا فجعلت عامة البشر مثل حبل غسيل في مصبغة تنوعت فوقه الألوان

ولا شك أن الحبل معلق في بيئة ترابية تجتاحها رياح خماسينية متربة تترك أثرها على جميع الألوان

ولا شك أيضا أن تبييض حياتنا ليس في أيدينا ولا يدخل في قدرانا فما دامت الألوان التي تصبغنا هي نتاج طبائعنا وأعمالنا إذن فنحن نحتاج إلى قوة من خارجنا تقوم بتطهيرنا

من أين لنا الحياة البيضاء

هذا سؤال هام وإجابته سهلة على كل مخلص جاد فكل ما لا نستطيع أن نفعله كبشر يصنعه لنا الله وحين نتساءل من أين لنا الحياة البيضاء فإن الإجابة الصحيحة هي من عند الله

إن الله وحده هو الذي يبيض قلوبنا ويغسلها من البقع السووداء والبقع الرمادية ولا دور لنا في تبييض حياتنا فالبحيرة الراكدة الآسنة لا تغسل نفسها وزجاجة الحبر الأسود لا تبيض محتوياتها لذالك فلا يمكن أ، نغسل أعمالنا بأعمالنا لأن أنقى ما تفعله أيدينا لا يزال ملوثا بما علق بأيدينا من أطماعنا البشرية وطبائعنا الأنانية وميولنا المنحرفة ونفوسنا الخادعة إنها يد الله فقط التي تغسل وتبيض وهي التي تغطي حياتنا بالرضا الإلهي حين نعترف بعجزنا وحاجتنا إلى الخلاص من خطايانا وإلى الاغتسال في أنهار التطهير الرباني

صرخة إنسانية

يا رب

تتلوث حياتنا

تلونت بكل الأصباغ

اصطبغت أيامي بشرور كثرية

غطتني الأثربة الكثيفة

أصبحت كزجاج معتم لا ينفذ إليه

النور

أصبحت معتما

وإني أجئ إليك اليوم لتغسلني

يا رب

أعلن أماك عجزي عن إنقاذ

نفسي

أعلن فشلي

ألتمس أن ترفع عتامة أيامي

أن تخرجني من رماديتي

الشاحبة

أن تغسل آثام خطيئتي

أن تغفر الظاهر وأخبيئ

أن تكشف لي طريق خلاصك

أحمدك لأنك أنت النقاء

وأنت البر وأنت الطهر

فامنحني طهرا من طهرك

وامنحني برا من برك

وامنحني نقاء من نقائك

فهذا هو اللون الوحيد

الذي يجعلني مقبولا عندك

لون حياتي بلون الرضا

فأكون مقبولا في سمائك

مكتسبا برداء برك

يا رب

تلونت بكل الأصباغ
تلونت بكل الأصباغ

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟