مبادئ إنسانية

الراحة الحقيقية

26 مبادئ إنسانية :

كثيرون يطلبون الراحة من حيث يأتي التعب

لكن صوت الله يدعو المراهقين المجهدين إلى راحة حقيقية

ليس كل إجهاد نحس به إرهاق بدني يعالج بالراحة

إن سلامنا الداخلي لا يقوم على أعمالنا التي تجهد أبداننا بلا طائل بل تقوم على عمل الله

الوسائد الناعمة لا تصنع الأحلام الوردية

في كتاب للكاتبة الأمريكية ماري ب.راي نقرأ القصة التالية:

خرج كلب الحراسة الضخم خارج الضيعة واختفى وسط الجبال وظل سيده يبحث عنه أربعة أيام متواصلة إذا كان يسمع نباحه الخافت لكنه لا يراه ولا يقدر أن يحدد موقعه وفي اليوم الخامس وكانت درجة الحرارة تحت الصفر استعان الرجل بفرق الإنقاذ التي اكتشفت وجود الكلب الثمين يقف على نتوء جبلي بارز  على عمق بضعة أمتار من السطح ولكن هذا النتوء الصغير كان يطل على هاوية سحيقة عمقها ثلاثمائة قدم وكان هذا يعني أن الحيوان المسكين لا بد أن يتجمد أو أن يموت جوعا في موقعه أو أن يسقط ليتحطم على الصخر وفشل الفريق حتى في إلقاء بعض الطعام للحيوان الجائع

وأمام المشهد المؤلم لم يستطع رجال الإنقاذ إلا أن يصنعوا من أجسادهم حبلا بشريا وتدلو من فوق حافة الهاوية واستطاعوا ربط الكلب بالحبال ثم رفعوه إلى السطح ووسط ترحيب الجميع به وبعد تناول وجبة شهية عاد للكلب نشاطه وحيويته كأن شيئا لم يكن

وتقارن الكاتبة بين قصة الكلب وقصة شبيهة وقعت أحداثها في نفس الظروف الجوية حين تحطم زورق أحد الصيادين في نهر بشمال كندا فظل الصياد عرضة للعواصف الثلجية والرياح الباردة يومين كاملين ثم استطاع رجال الإنقاذ الوصول إليه ونقله إلى الشاطئ لكن الرجل مات بعد ساعات قليلة في إحدى المستشفيات

وتنقل الكاتبة تعليقا لأحد علماء النفس يقول:

إن ما يعانيه الإنسان من آلام نتيجة لأحداث يختلف عن الشكل الذي يعاني به سائر الحيوانات

إذ إن الإنسان أشد لأن فكرة يغذي آلامه بالتخيلات والمخاوف التي تهدأ أعصابه وتحطم كيانه وحين يتعرض الإنسان العاقل والحيوان لظروف مماثلة فإن الإنسان سرعان ما ينهار نتيجة العوامل العصبية والنفسية على حين يقاوم الحيوان مدة أطول لذالك مات الصياد وعاش الكلب

إن كثيرين من الناس يتعرضون لإجهاد بدني أو نفسي ويعود السبب الأساس لإرهاقهم وشقائهم إلى عوامل ذهنية

فالإنسان العاقل يتعرض بسبب عقله وانفعاله لإجهاد ذهني شديد يحطم جسده ويقلل طاقته وانطلاقه

لا تبدد جهدك

لا شك أن هناك إجهاد بدني يترتب على نفاد الطاقة حين نبذل جهدا يفوق طاقتنا لساعات طويلة

والحقيقة أن كثيرين في عالمنا يبذلون جهدا عظيما فالبعض يضطرون إليه مرغمين بسبب حاجتهم المادية والأدبية والبعض يبذلون الجهد إيمانا برسالة وهدف غير أن هناك من يبددون طاقتهم فيما لا يفيد وبل حكمة أو هدف وأغلبهم يبذلون جهدا أكبر كثيرا من الحصاد الذي يجمعونه نتيجة هذا الجهد

قيل عن أحد اللصوص إنه يسهر الليل ويتسلق الحواجز ويواجه الأخطار ويقضي سنوات العمر في التخفي أو في السجون وهو في النهاية يحصل على أِياء كان من الممكن الحصول عليها بجهد أقل لو أدى عملا مشروعا

إن جميع الذين يقومون بأعمال غير مشروعة يبددون طاقتهم ويهدرون حيويتهم وفي النهاية يكون الحصاد قليلا

هذا الاجتهاد لماذا؟

لكن ما نحس به من إجهاد ليس دائما من نوع الإرهاق البدني المترتب على ما نبذله من جهد في العمل وليس كل ما نحتاجه هو مجرد الراحة لفترة قصيرة حتى نسترد طاقتنا وحيويتنا فلو كان الأمر كذالك لما كانت هناك مشكلة لكن الإحساس بالإجهاد كثيرا ما يستمر حتى بعد فترات الراحة الطويلة وكثيرا ما يستيقظ الإنسان من نومه مجهدا كما أن الإجهاد قد يصيب إنسانا مرهفا لا يعمل شيئا ولا يبذل أدنى جهد بدني

ولعل هذا يدل على أن كثير من الإجهاد لا يرجع إلى الإرهاق في العمل لكنه يعود إلى عوامل أخرى

في إحدى المدارس أقيمت مباراة في السباحة بين عدد كبير من الطلاب وكان أحدهم قد بذل جهدا عظيما في التدريب وكان على يقين بالفوز بالمركز الأول غير أن النتيجة جاءت على غير ما أراد وعلى مدى شهور طويلة أحس بإرهاق شديد حتى لم يعد قادرا على نزول الماء واضطر بعد ذالك إلى تناول العقاقير والتقليل من الجهد بقدر ما يستطيع ثم وقع له حدث مفاجئ فبينما كان يعبر الطريق عند شاطئ البحر شاهد طفل يغرق وحينئذ وبدون أن يدري قفز إلى الماء وسبح نحو الطفل الغارق وعاد به إلى الشاطئ

ومنذ تلك اللحظة دبت الحياة في جسده ولم يعد يحس بالإجهاد الشديد بل على العكس تدفقت في جسده طاقة هائلة بلا حدود

إن أغلب الناس يستطيعون التخلص من الإحساس بالإجهاد بمجرد معالجة الأسباب الكامنة وراءه

ويستطيع كل واحد فينا أن يحيا حياة مفعمة بالحيوية والنشاط إذ هو استطاع أن يجدد انفعالاته ويقضي على انفعالاته الهدامة وأن ينمي في داخله انفعالات أخرى مثيرة للنشاط والحيوية

طريق للراحة

إذا كان الإجهاد يرجع غالبا إلى موقف ذهني أو نفسي فهناك طريق للراحة يبدأ أيضا من خلال الإدراك الذهني والاستقرار النفسي

أما الإدراك الذهني فهو الوصول إلى اليقين

والاستقرار النفسي هو النتيجة الطبيعية التي يتيحها الاختبار الروحي الذي يجعلنا نطمئن على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا

قال أحد الأثرياء إنه مع كثرة غناه واتساع إمكانيته فإنه لم يجد سوقا في الدنيا يشتري منه الراحة وهذه قولة صادقة حقا فليس في كل أسواق العالم شيئا يمنح الراحة الحقيقية التي يهبها الله لمن يعرف طريقه ويلجأ إليه

في ذات يوم قال أحدهم وهو يحتضر

إن رأسي مستريح تماما فوق ثلاث وسائد: القوة الإلهية الغير المحدودة والمحبة الإلهية الغير المحدودة والحكمة الإلهية الغير محدودة

كان هذا الرجل قد عرف اختبار الراحة الحقيقية

لكن كثيرين يطلبون الراحة من حيث يجدون التعب والإجهاد الباطل مثل ذالك الرجل الهندي البائس الذي عاش في لاهور يحمل سلاسل حديدية زنتها 600 رطل لمدة 13 سنة متواصلة ظنا منه أ، هذا العمل سيكفر عن ذنوبه فيرضى الله عنه مسكين فهو يتعب ويرهق ذاته فيصيبه الإجهاد الباطل بلا يقين في غفران ولا ضمان لراحة في الحاضر أو المستقبل

إن سلامنا الداخلي لا يقوم على أعمالنا التي تجهد أبداننا بلا باطل بل يقوم على عمل الله الذي يغفر خطايانا فيريحنا روحيا ويرفع أحزاننا فيريحنا نفسيا ويرفع أمراضنا  فيريحنا جسديا إنها راحة من كل جانب ومن يمنح الراحة الشاملة من كل جانب سوى الله؟

قال شاب بائس للمحس الفرنسي جورج مور: لقد لفظني المجتمع فقال مور: أنا أتبناك قال: وأنا جاهل فقال مور: أعلمك أضاف الشاب: وأنا مريض بأمراض رديئة فقال مور: أنا أطببك وكلما ذكر الشاب البائس حاجة وجد جواب

وهذه صورة باهتة للنفس البائسة المجهدة حين تعود إلى الله بعد تعب وجهد

وفي وقتنا هذا وفي وسط زحمة الحياة في الشارع وفي السوق وفي المجتمعات الواسعة حيث تنغمس أفكار الناس في دوامات المطامع والمشكلات والحاجات في وسط هذه جميعها ينفذ صوت الله يدعونا إلى الراحة

صرخة إنسانية

يا رب

متعب أنا مهدود

أنهكني السعي في دروب الحياة

بحثا عن الراحة

ولكم خدعتني المقاعد الوثيرة

ولطالما غشتني الوسائد الناعمة

لكن وسائدي الناعمة

لم تصنع أحلاما وردية

بل صنعت قلقا

واليوم وبعد البحث وبعد الجهد

وبعد التيه وبعد الغربة

أسمع صوتك يدعوني للراحة

ما أحوجني أن أرتاح

إني أطرح أثقالي وأجئ إليك

أغلق عيني عن كل طريق

أغلق أذني عن كل هتاف وضجيج

فأنا أسمع صوتك يدعوني للراحة

فأنر فكري بشعاع من حقك

وأنر نفسي من منهج حبك

وألهم روحي قبسا من إعلانك

وأملأ نفسي يقينا

في إدراك خلاصك

يا رب

 

الراحة الحقيقية
الراحة الحقيقية

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟