مبادئ إنسانية

إذا تبررنا بالإيمان كان لنا سلام مع الله

إذا تبررنا بالإيمان كان لنا سلام مع الله

قرأنا كثيرا عن الحرب: وعرفنا كيف عرفت طريقها إلى عالم البشر؟ وكيف صار البشر وقودا يضرم نار الحرب ويحترق بها ؟ ووصلنا إلى يقين لا يتزعزع من أن الحرب خسارة لكل الأطراف وأن هناك ملايين العيون الدامعة التي تتطلع إلى سلام ينقذ العالم من غول الحرب

اليوم نحاول أن نستعرض الجانب المضئ في قضية الحرب والسلام

أصبح العالم كله يخاف الحرب

كان ونستون تشرشل سياسيا بارعا لكنه كان في الوقت نفسه رجل حرب اشترك في القتالي الميدان الغربي وعمل كمراسل حربي قبل أن يصبح وزيرا للبحرية والذخيرة ثم وزيرا للحرب والطيران

وكان لتشرشل دور بارز في الحرب العالمية الثانية إذ بدأت الحرب وهو وزير للبحرية سنة 1939 وانتهت وهو  رئيس للوزراء لذالك فقد عرف أدق خفايا هذه الحرب الطاحنة فما إن هدأت نيرانها حتى تفرغ لتألي كتابه الضخم عن الحرب العالمية الثانية في 6 مجلدات ضخمة

أما ما يعنينا من هذا الكتاب الآن فهو خلاصة ما رسخ في ضمير الكتاب كنتيجة لخبرته الواسعة بقضايا الحرب: يقول تشرشل محذرا إن الحرب العالمية الثالثة ستكون مختلفة تماما عن كل الحروب السابقة إّ ستظهر النتيجة الفاصلة في الشهر الأول أو الأسبوع الأول وقد تستمر الحرب بعد ذالك لأمد طويل لكنها ستكون حرب قاصمة الظهر لا يستطيع فيها جيش قوى أن يتغلغل في مساحات واسعة من الأرض فأي حرب عالمية أخرى على أرضنا ستبدأ منهكين مذعورين لا يعلمان من أي شيء لا يفزعان؟ أما عامة البشر فستهبط عليهم ألوان من العذاب القاسي يزداد يوما بعد يوم

هذه تصورات شاهد من أهل الحرب كتبها في أعقاب الحرب العالمية الثانية قبل أن يشهد التقدم المذهل في تكنولوجيا الحروب الحديثة ولو أنه أعاد كتابة تعليقاته السالفة في وقت متأخر لقال: إن نتيجة الحرب القادمة ستظهر في الدقائق الأولى وبعدها لن يقوم للسلام قائمة

 

وربما كان هذا ما تخوفه جنرال دوجلاس ماك آرثر في أعقاب الحرب العالمية الثانية أيضا فقال لقد أخذنا فرصتنا الأخيرة فإذا لم نتخذ اتجاها أكثر تعقلا فإن الخراب على الأبواب

من أين يبدأ السلام؟

عندما فقد العالم عشرة ملايين من خيرة شبابه في الحرب العالمية الأولى أدرك الخطأ الشنيع الذي أقترفه عندما أشعل الحرب فأنشأ عصبة الأمم بغرض منع الحرب لكن الحرب ما لبثت أن قامت من جديد وفقد العالم في هذه المرة أَعاف ما فقد في المرة الأولى وندم المجتمع الدولي على فعلته الشنعاء فأنشأ هيئة الأمم المتحدة لتحول دون قيام حرب مدمرة أخرى وعلى الرغم مما تقوم به فإن شبح الحرب مازال يهدد العالم في كل صباح فلماذا لم يستطع الإنسان المتحضر والمجتمع المتمدين بكل ما بلغه من علم ونظام لماذا لم يستطع أن يحقق السلام الذي يرجوه؟

في رأينا أن السلام ليس عملا تنظيميا تستطيع أن تقوم به دولة أو مجموعة دول أو هيئة أمم.. الخ بل نعتقد أن السلام لابد أن يبدأ من حيث بدأت الحرب: فالحرب بدأت أولا بين إنسان وأخيه بسبب الغيرة والأثرة والحقد والسلام لا يبدأ إلا بانتزاع بذور الشر من قلب الإنسان الفرد لإخوته في الإنسانية جميعا وهذا هو أول الطريق

ماذا صنعت الحرب في قلب الإنسان؟

إذا كنا قد رأينا ما حاق بالعالم من دمار مادي بسبب الحروب وخسر الإنسان فيها ممتلكاته وحياته فإن هناك ما هو أفدح من ذالك فالخسائر المادية قد تعوض والأرض باقية والقوة البشرية تتضخم
أما خسارة الإنسان الكبرى فهي ما أصاب قلبه وأضاع صفائه ونقاءه

في سنة 1951 وضع 43 من سجناء الحرب الأمريكيين في كوخ قارس البرودة فوق أحد الجبال في شمالي كوريا وكانت درجة الحرارة في الخارج 30 تحت الصفر أما في الداخل فقد التصقت أجساد الجنود حتى كادت تلتحم

كان معظم السجناء في حالة إعياء شديد وبخاصة اثنان منهم كانا قد أصيبا بهزال شديد وكادا يموتان جوعا من جراء حالة الإسهال التي أصيبا بها وظل المسجونون يترقبون لفترة طويلة وصول رجال الخدمة الطبية لنجدتهم وبعد عدة أيام جاء إلى الزنزانة جندي برتبة عريف أخذ يتأمل المسجونين ولاحت منه نظرة إلى الجنديين الطريحين فانحنى بتأفف شديد وتناول قدميهما في قبضته القويتين وجرهما في وحشيه بالغة ليلقى بهما خارج الكوخ ومن حسن حظ هذين الجنديين البائسين أنهما ماتا بعد لحظات من إلقائهما على الثلج

والغريب في هذه الواقعة أن أحد من الجنود السجناء لم يعترض على تصرف الحارس ولم يحتج أو يجادل بل على العكس أظهر الجميع ارتياحهم لما حدث لأخويهما

ولعلنا نتسائل هل الرعب الذي لا يوصف والمعاناة التي عاشها المسجونون جعلتهم يفقدون الحس أما الأسى والألم الذي يتجرعه الآخرون من حولهم وهم صامتون؟ الله وحده يعلم لكن اليقين أن أهوال الحرب أفسدت جوهر الإنسان

فالمشكلة الأساس إذن مشكلة روحية تنظيمية أو عقائدية إنها مشكلة الإنسان الذي فسد جوهره الإنساني فصار عاجزا عن تحقيق إنسانيته وهو لذالك يحتاج إلى إعادة صياغته إنه يحتاج إلى تغيير داخلى حتى تتوافق طبيعته الروحية الجديدة وتقدمه المادي العلمي والأدبي والثقافي وحتى تتواءم أعماقه الروحية وجذوره الحضارية

يجب أن يسمو الروح حتى ينقذ الجسد

إن أسلوب الله سبحانه لإصلاح طبيعة الإنسان التي أفسدتها الأثرة والحقد وشوهتها المادية والعقلانية المسرفة هو تغيير طبيعة الإنسان الآثمة وإعطاؤه قلبا جديدا يترفه عن دنايا المادة ويحب العطاء أكثر من الأخذ ويطلب ما لغيره قبل ما للذات وعند ذالك يعم السلام الحقيقي

إن القلب الذي يتصل روحيا بلله يدرك السلام النفسي الذي لا يستطيع العالم كله أن يهبه لإنسان ولو وضع بين يديه

وعلى النقيض من ذالك فإن نقطة ماء واحدة يمكن أن تثير قتالا بين شقيقين لا يتمتعان بالشبع الداخلي وما لم يتغير القلب سيظل هناك صراع بين الروح والجسد بين الميول المادية الوحشية والسمو الروحي الإنساني

وإلى أ،ن يملأ الله القلب بروحه الإلهي سيظل هذا القلب منبعا للأفكار الشريرة والخطايا والدنايا المختلفة الشهوة المحرمة والزنى والفسق والقتل والسرقة والطمع الخبث والمكر والعهر والكبرياء والجهل ومع كل هذه الشرور لابد أن تنمو الضغائن وتنشب الحروب

وعلى الأرض السلام

هناك مثل صيني يقول إذّ كان هناك نقاء في القلب كان هناك جمال في الخلق وإذ كان هناك جمال في الخلق كان انسجام في البيت وإذا وجد التوافق في البيت أصبح هناك نظام في الدولة وإذا كان هناك نظام في الدولة كان هناك سلام في العالم

أشواق القلب الجديد

إن القلب الإنساني الجديد يرتفع ببصره إلى السماء ويدعو الله القدير أن يسكب الحب في الأرض أن يكسر القوس ويقطع الرمح ويحرق المركبات ويسكن الحروب إلى أقصى الأرض فلا ترفع أمة على أمة سيفا ولا يتعلموا الحرب فيما بعد

 

إذا تبررنا بالإيمان كان لنا سلام مع الله
إذا تبررنا بالإيمان كان لنا سلام مع الله

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟