مبادئ إنسانية

أنا واحد ممن يحتاجون إليك

57 مبادئ إنسانية :

فلنتجه بأسرارنا إلى السماء

فقلب الله أرحب

كان الأصدقاء الأربعة يعملون معا في التجهيزات المعمارية وأعمال الديكور كما كانت تضمهم صحبة الليل أيضا واختلف الأصدقاء لأمر ما من الأمور حتى أن ثلاثة منهم بيتوا النية على قتل رابهم وما أبشع الشر حين يستقر في النفوس فيعمى البصائر ويقتل العواطف ويصخر القلوب

وللشر إبداعاته التي تفوق الخيال والتي قد تدهش إبليس ذاته فقد قتل الأصدقاء صديقهم وليس هذا بالأمر النادر أو المثير في أرضنا الحزينة ولكن المثير حقا هو الطريقة التي أخفوا بها جثة القتيل

كان الأصدقاء في ذالك الوقت يعملون في الطابق السفلي من إحدى البنايات الحديثة وكان من المهام المسندة إليهم أعمال السباكة التحتية والصرف الصحي  وهو ما يستلزم الحفر العميق في أرضية البناية ومن هنا عثروا على الحل المناسب لمشكلة إخفاء الجثة دون أن يشك فيهم أحد

وأخفى الأصدقاء جريمتهم في حفرة عميقة ثم صبوا فوق الجثة كتلة هائلة من خليط الاسمنت والزلط وهالوا فوقها ركام الحجارة والأتربة وبعد أيام تمت تغطية الموقع كله ببلاطات الرخام السميكة وتم كل شيء بصورة طبيعية لا تلفت الأنظار ولا تثير أدنى قدر من الشبهات

وفي الأيام التالية خرج الأصدقاء مع أفراد عائلة الفقيد يطوفون بالشوارع ويترددون على المستشفيات وأقسام الشرطة ويبحثون عنه في كل مكان فلما انقطع الأمل في العثور عليه وقفوا في صفوف الأقارب يتقبلون العزاء في صديقهم المحبوب ومرت الأيام مريرة سوداء على الأهل والأحباب وانتهت التحقيقات إلى لا شيء وأسندت الجريمة إلى مجهول وابتلعت الأيام قصة الشاب الذي اختفى فجأة دون أن يترك وراءه دليلا

إذن فقد كانت الجريمة محكمة غاية الإحكام وأفلت المجرمون من العقاب بل أن صورتهم صارت مضيئة في ذاكرة المجتمع وفي عيون الأهل لما أظهروه من مشاعر وحميمة تجاه الفقيد الراحل

وبعد سنوات مات أحد الأصدقاء الثلاثة وتبقى السر بين صديقين ومرت أعوام عشرة ويشاء الله سبحانه أن ينكشف الأمر ففي لحظة من لحظات الغرور والإعجاب الشديد بالذات وتحت تأثير المخدرات أراد من الصديقين أن يتباهى أمام صديق آخر بمهاراته وذكائه وقدرته العبقرية التي دوخت رجال الشرطة فقص عليه قصته القديمة وأوصاه أن لا يبوح بها لأحد

وانتقلت الرواية من لسان إلى لسان وشاع السر المكتوم ونبشت الشرطة أرض الجريمة واستخرجت العظام الدفينة وكانت المحاكمة العادلة

الغريب أ، القاتل المجرم الذي استحل دماء صديقه وتنكر لكل روابط الحب والوفاء هذا الخائن الجبان استنكر خيانة صديقه الجديد الذي وشى به وفضح سره وقال فين أيام زمان الأيام الحلوة أيام الصداقة الحقيقية حين كان الأصدقاء أوفياء مخلصين يصونون أسرار أصدقائهم

الأسرار

من الطبيعي أن تكون في حياة الأفراد والعائلات والشركات والدول خصوصيات لا يسحبون تداولها وكثيرا ما تتحول هذه الخصوصيات إلى أسرار يحرصون على كتمانها أو يشيعونها في أضيق الحدود وبين أهل الثقة دون غيرهم ومن الطبيعي أيضا أن تكون هناك أشياء يفسدها الإعلان فالعطاء والصدقة والإحسان وأعمال الخير والمعروف جميعها يفسدها الإعلان عنها والتفاخر بها

ولكن هناك أيضا أسرارا كثيرة يفسدها الكتمان فهي تتكاثر في الظلام حتى تقتل أصحابها أو تقتل غيرهم فكلما كانت نوايا البشر طيبة قلت الأشرار والخفايا وكلما قلت الثقة وساءت النوايا زادت الأسرار

وقد امتلأ العالم في زماننا بالتحزب والتعصب والتنافس وسوء النوايا وانعدام الثقة بين الناس كما امتلأن أرضنا بالأحزاب والجماعات والتنظيمات التي تعمل في الخفاء وأغلب هذه الجماعات لها أجندات خطيرة وأهداف غير خفية كل ما فيها يعتبر سرا لذالك تسمى الجماعات السرية

وهناك عصابات المخدرات وعصابات التهريب وعصابات التخريب والترويع التي يتفق أفرادها على أهداف غير مشروعة تشير إلى كيان إجرامي معدوم القيم ونفوس لا ضمير لها ولا أمانة فيها

السر في بير

هذا مثل شائع منذ زمن بعيد وهو يشير إلى الوعد بكتمان السر إذ يعيد الصديق صديقه بأنه سيخفي سره في باطن الأرض في أعماق البئر فلا يصل إليه أحد

وقليلا ما يفي صاحب العهد بوعده وقد يحدث ذالك بسوء نية إذا ما وقع خلاف بين صديقين وقد يحدث أيضا بحسن نية حين يهمس هذا الصديق بالسر لشخص آخر ويوصيه ألا يبوح به لأحد لكن هذا الآخر ينقله أيضا بدوره إلى آخرين ويوصيهم بالكتمان وهكذا يجتاز السر من لسان إلى لسان حتى يصبح مشاعا بين العشرات ويصير مثل خزانة مفتوحة على قارعة الطريق

فلماذا تشيع الأسرار رغم الحرص الشديد على كتمانها؟

قيل قديما ليس خفي إلا ويظهر أي أن الأسرار لا بد أن تكتشف في يوم من الأيام مهما طال الأمد فلماذا تنكشف الأسرار؟

لأن كل العوامل تتضافر معا على إذاعة السر

فإذا كان السر تافها استهان به سامعه فلا يحرص إلى كتمانه

وإذا كان السر مثيرا فإنه يصبح مقروءا في عيني صاحبه دون أن يتكلم

وإذا انطوى السر على عمل خطير أو فعل غير مشروع فإن سماعه قد لا يستطيع بمفرده أن يتحمل وطأته فيسعى أن يشارك به آخر

أما إذا انطوى السر على جريمة صار تحمل الكتمان مستحيلا

وفضلا عن ذالك كله فقد يكون الصديق الذي تودعه السر خائنا أو مبتزا أو ثرثارا وجميع هذه العوامل تؤدي في النهاية إلى الكشف عن الأسرار والخفايا

ذنوبنا وأسرارنا

الذنب سر

ومن الخير أن يكون الذنب سرا فالمجاهرة بالذنوب هي الفجور وقلة الحياء

لكن إنكار الذنوب أيضا شر عظيم تترتب عليه عواقب وخيمة منها الخوف والإحساس بالذنب والاستهانة وموت الضمير والتعود على الخطأ والتطبع بالشر واستحلال الذنب وضياع فرصة التوبة إلى غير ذالك من العواقب

الخوف: ربما يكون الخوف المترتب على الإحساس بالذنب هو أبرز المشاعر في داخل الإنسان وبخاصة في الأيام الأولى من اقترابه لهذا الذنب فيقل نومه وتكثر أضغاثه ويزداد فزعه وقلقه وتوتره

الاستهانة: إذا هدأ الخوف وتأكد الإنسان من نجاحه في إخفاء ذنبه فإن ذالك قد يغريه بالاستمرار في ارتكاب الذنوب تماما كما يتحول اللص تحت التمرين إلى لص محترف إذا نجح في الإفلات من يد العدالة في تجاربه الأولى

قتل الضمير: إن ارتكاب الذنب يوقع ألما في نفس الأسوياء فالضمير الإنساني يحاول دائما أن يوقظنا فإذا أسكتنا صوته فينا لا يعود مدويا كما كان

التطبع: فطول المعاشرة للشر يقود إلى الإلفة والتعود فنستعذب ونستطعم مذاق الشر وهذا الذنب الذي كان مرا في أفواهنا يصبح طبيعيا

استحلال الذنب: فنحن حين لا نعترف بذنوبنا نمنح الشيطان فرصة مواتية لإقناعنا الخادع بصلاحنا وبأننا أفضل من غيرنا ويزعم لنا الشيطان أن البشر جميعا مثلنا وأن الجميع يخفون ذنوبهم أيضا مثلما نفعل نحن

وتضيع فرصة التوبة: إن أبواب التوبة مفتوحة دائما في وجه من يعترف بذنوبه لكنها مغلقة تماما أمام المنكرين فمن يكتم خطاياه يضيع فرصة التوبة والمغفرة الإلهية

لمن نحكي خفايانا؟

قد يكون في حياتهم سر معين تخفيه وتستر عليه وقد تتعلق أسرارك بأشياء بسيطة جدا لكنك لفرط خوفك أو عدم معرفتك يتحول هذا الخوف في داخلك إلى مارد عظيم ونار حارقة وكلما طال إخفاؤك للسر تضخم حجمه وزادت قسوته فلماذا نفعل هذا نسارع بإفشاء أسرارنا ؟ ربما يكون ذالك خيرا لكن لمن نحكي أعمق الأسرار؟

هل نحكي أسرارنا لزميل أو زميلة أليس من المحتمل أن نواجه نوعا من الابتزاز والغدر هذا محتمل

هل نحكي أسرارنا لوالد أو معلم أو أم أو ناصح أكبر سنا وخبرة أليس من المحتمل أن نواجه لونا من التلويم والتحقير؟ هذا أيضا محتمل

هل نتجه إلى الله سبحانه بقلوب مفتوحة وصادقة فنستودع بين بيته جميع أسرارنا طالبين الحكمة والإرشاد والسلام والهدوء النفسي؟

وليسامحني القارئ إذا قلت رأيا شخصيا وقد أكون مخطئا فيه ولكنني أقوله من منطلق أنني أب شديد الحرص على أولاده وبناته ويخشى عليهم من الوقوع في أنياب المستهترين أقول فلنتجه إلى الله أولا ولنختبر شيئا جديدا في حياتنا حين نتحدث إليه في صمت وحين نستمع لصوته الهادئ في خشوع ولا بد أن الله العارف القلوب والمحيط بالأسرار سيعلمنا ويرشدنا ويريحنا وقد يوجهنا أيضا إلى من يستأمنه علينا من الآباء المخلصين

صرخة إنسانية

يا رب

أتجه إليك بقلب خاضع

أعترف بين يديك بذنبي

ولا أكتم سرا من أسراري

فأنت العالم بما نبدي

وأنت العالم بما نخفي

آتي إليك لأن بابك أرحب

ولأنك قابل الأعذار

أجئ إليك بصمتي

وخجلي

وحاجتي

وأنتظر سماع صوتك

وتلقي

إشارتك

فلنتحدث إلى عبدك بحديث الروح

ولينطق صوتك في داخلي

بما لا يقوله البشر

أغلق أذني عن ضجيج الدنيا

وجفاء الناس

وحناجر المدعين

وأفتحهما على همس حبك ورعايتك

يا رب

أنا واحد ممن يحتاجون إليك

ويلتمسون عفوك وإرشادك

وأنت القلب الرحب

وأنت الصدر الحنون

فحدثتني الآن

يا رب

أنا واحد ممن يحتاجون إليك
أنا واحد ممن يحتاجون إليك

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟