المناسبات

معنى الميلاد

ها نحن على أبواب استقبال مناسبة من أجمل المناسبات، حقًا ليست مجرد حَدث من الماضي أو في المخيّلة انتقشت كذكريات. الميلاد ليس فقط فرصة لتبادل التحيات والمعيادات، وليس بابًا ذهبيًا للربح والمبيعات. إنه يسمو ببعدٍ آخر فوق المرئيات، إنه تدبير للخلاص من إله السماوات، فيه تمت الوعود وتجسدت النبوءات، ورنمت الملائكة بأجمل الترنيمات.

حقًا انَّ حادثة الميلاد فريدة، أنها إعلان المحبة الأكيدة. ميلاد المسيح قَسّمَ التاريخ إلى نصفين، قسم البشر إلى نوعين: الأول اعلنَهُ ربًا، والثاني أرادَ موتَهُ صلبًا!

واليوم أصبح شهر الميلاد، شهرٌ من التجهيز والإعداد لجذب أكبر عدد من السُّواح. ويا للأسف، فإنك بصعوبة تجد أيَّ ذكر لمعنى العيد الحقيقي، وها هو اسم صاحب العيد يُخبأ في ستار التعايش والمجاملات. فالعيد أصبحَ عيد التآخي وبناء جسور وعلاقات! وصاحب العيد يتساءل: “أينَ مكاني وسط كل هذه الإعتبارات”؟

دعني أخبرك صديقي بمعنى العيد الجوهري والحقيقي:

في كل حرف من احرف كلمة “ميلاد”، يختبأ معنى وإعلان بين الطّيات:

“م”- مغفرة: عِندما ظهرَ الملاك ليوسف في حلم، أعلَنَ لهُ عن إسم المولود: “وتَدعو اسمه يسوع، لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم”(متى 1: 21). والإسم في الكتاب المقدس يحمل شخصية صاحبه. إسم “يسوع” معناه المُخلّص. فميلاده كان المحطة الأولى في رحلة الصليب. نعم، يسوع لم يولد كأي طفل، ولم يُسَمى أحد بهذا الإسم سواه، لأنه هو المخلص ومانح الغفران.

لَقَد خلَّصنا وغفر خطايانا وغطاها بدم الصليب. وقد أوصانا أن نغفر للآخرين كما غَفرَ هو لنا (إغفروا يُغفَر لكم- لوقا 6: 37). وإذا أردتَ أن تتمتع بميلاد حقيقي، تَيَقّن من غفران خطاياك، كذلك اترك للآخرين زلّاتهم، واطلب من الرب قُوّة لتغفر لكل من أساء اليك.

“ي”- يقين: فقد تَمَّت النبوءات المتعلقة بمجيء المسيا في الميلاد، لقد جاء اليوم الذي وعَد به الرب الآباء والأجداد، رغم الإنتظار الطويل، لكن أخيرًا جاء الميعاد. إنه إله اليقين وكل كلمة خرجت من شفتيه خاليه من الشبهات والتشكيكات. “في ملىء الزمان”، في الوقت المُعيّن لإعلان محبة القدير، وبعد شَق وتهيئة الطريق والظروف لاستقبال المولود السماوي، تَمَّ الأمر أخيرًا. لربما تنتظر تحقيق وعدٍ وعدك به الرب منذ سنوات طويلة، وانتظرت ليالي ولم تظهر أي علامة وليس باليد حيلة، وقلت في نفسك: “إن طلبتي للتحقيق مستحيلة”. أشجعك أن ترفع أعينك الى السماء وتلتمس من الرب الرجاء. ففي الوقت المعَيَّن سيأتي إليك مُختَرقًا ظروفك، مانحاً لك العزاء. فهو لا يُغَيّر ما خَرَج من شفتيه (مزمور 89: 34) “لأنَّ مهما كانت مواعيد الله فهوَ فيه النَّعَم وفيه الآمين” (2 كورنثوس 1: 20). إنه إلإله الأمين، إنه إله اليقين.

“ل”- لمسة إلهية: بميلاد المسيح، لامَسَت السماء الأرض! وخلال حياته، جالَ يصنع خيرًا ويشفي الناس، يلمس بيديه الحنونة والقديرة أعين العميان فتُفتح، والمرأة المنحنية فتنتصب، يلمس النعش فيقوم الميت. إن لمسته فيها شفاء، قوة وحياة. قد تحتاج إلى لمسة إلهيه اليوم: لمسة للشفاء، للقوة، لبناء علاقاتك، ولعملك، أو لمسه لإحياء قلبك وحياتك الروحية. أطلبهُ، إنه حي، وحتمًا لن يَرُدّك خائبًا. أطلبه ليلمسك لمسه حقيقية في هذا الميلاد، ويعطيك سؤل قلبك في الميعاد!

“أ”-أمل: بعد 400 سنة فاصلة بين العهد القديم والعهد الجديد، 400 سنة لم يكن فيها أي كلمة أو إعلان من السماء، وبعد فشل كل محاولات الإنسان البائسة بإصلاح نفسه وبالتقرب إلى الله، لاح نور الأمل في الأرجاء، وسَطَع مجد الرب في السماء، مُعلنًا الأخبار السارة لرعاة فقراء وبسطاء! “ولدَ لكم اليوم مُخلص”، هذا المُخلص أدخَل الأمل إلى العالم اليائس، الأمل بالخلاص، الأمل لحياة أفضل وعهدٍ أفضل. قد تكون ظروفك قاسية، وحاولتَ محاولات عديمة الجدوى لتغييرها، تعَثّرتَ مرة تلو الأخرى، لقد جاء المسيح ليعطيك الأمل والرجاء. إنه رجاءٌ حي يتجدد في كل يوم، ويغلب كل تعبٍ ويأسٍ وَهَم. إن كنت تجتاز في ضيق وتصرخ:”ما العَمل”؟ إلتفت اليه، فتجد الراحة والسلام والأمل.

“د”- دفئ: يمتاز موسم الميلاد بأجوائه الدافئة، المملوءة والمشحونة بالمحبة والتَوَدُّد. لكن ماذا مع القلب؟ هل اختبر دفئ محبة الله؟ أم ما زال مُجمّدًا ببرودة العالم والخطية. لقد ولدَ المسيح في مذوذ، ولم يكن له ما يُدَفّئهُ سوى أنفاس الحيوانات!  اختبر البرد، لذالك فإنه يعرف جيدًا معنى هذا الشعور.

إن كانت محبتك للرب قد بَرَدت، ومحبتك للآخرين كذلك، وإن كنتَ قد فقدت حرارتك وحماسك في الخدمة، في العمل أو في العلاقات، اقترب منه، وأطلب بأن يسطع بنور محبته ويذيب كل جليد في داخلك، وشعاعه يحيي كل مجالاتك.

وفي النهاية، أتركك مع هذا السؤال: “ما الذي تحتاجه في هذا الميلاد؟ اهو الغفران، أم اليقين، أو أنت بحاجة ماسة للمسة إلهية؟ أو أن يَدُبَّ في قلبك الأمل من جديد؟ هل تشتاق ان تختبر دفئه؟

لتكن صلاتك في هذا الميلاد:”أتوجك يا رب ملكًا على حياتي وقلبي، على فكري وجسدي، أنا لك طول الزمان، يا من تَجَسدت في صورة إنسان”!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟