تأملات القراء

الصداقة

نَسمع بالمثل الشائع “الصديق وقت الضيق” ويخبرنا سفر الأمثال “أنّ الجار القريب خيرٌمن الأخ البعيد”. فالصداقة هيّ من أجمل العلاقات الحُبية التي تَربطنا بعضنا ببعض، إنها فضيلة اجتماعية سامية.

الصداقة هيّ علاقة مَوَّدة، تعاطُف وإخلاص. الصداقة اختيار، فهي لا يفرضِها قانون ولا تَحدها صِلة القرابة أو الجيرة أو الزمالة. الصداقة عبارة عن شِركة. فربما أُطلِع صديقتي على أمور لا أطلع آخرين عليها حتى وإن كانوا من عائلتي، كأختي مثلًا. وتشمل الصداقة جميع الأعمار.
أعطى الكتاب المُقدس قيمة عالية جدًا للصداقة وقدّم نماذج كثيرة عن الصداقة الحقيقية التي سأذكر بعضًا منها:

  • يقول الكتاب المُقدس إن الله اتخذ أبينا ابراهيم خليلًا له ليتحدث إليه ويخبرهُ بما هو صانع (يع 23:2).
  • صداقة راعوث ونُعمي: فقد أحبت راعوث حماتها نُعمي وصادقتها حتى النهاية (راعوث 1: 16-18).
  • في صداقة النبي اليشع والنبي ايليا ارتبطت روح اليشع بمعلمه، حتى أن اليشع رفض ان يتركه لحظة واحدة (2 مل 2: 4-6).
  • وأصبحت صداقة يوناثان وداود مثالنا في الاخلاص في الصداقة (1صم 1:18). إن نَفْس يوناثان تعلقت بنَفْس داود وقد استمرت صداقتهما حتى موت يوناثان، فحفظ داود عهد الصداقة وأكرم نسل يوناثان حتى النهاية.
  • وتكلم الكتاب المقدس كذلك عن صداقة بولس وتلميذه تيموثاوس وصداقة يوحنا وغايُس.

وقد تحدث الكتاب المقدس كذلك عن الصداقة الحقيقية والصداقة الكاذبة والغادرة:

1) الصداقة الحقيقية تخدم وتسانِد وتشدِّد (اش6:41). ففيها على كل واحد أن يساعد صاحِبهُ ويقول لأخيه: “تشّدد”. هي صداقة دائمة وليس موسمية أو مؤقتة، تستمر في وقت الضيق والفقر كما كانت في أزمنة الفرج والغنى والصحة والشهرة. هي حاضرة في كُل وقت (امثال17:17). الصداقة الحقيقية أقوى من صِلة القرابة أو النَسَب فقد تبقى الصديقة بجوار صديقتها في وقت يفارقها الأخ والأخت والقريبة. ويقول الكتاب “يوجد مُحِب الزق من الأخ” (امثال 24:18). أيضًا من صِفات الصداقة الحقيقية انها تُضحي وتُبذِل حتى النفس (يوحنا 13:15).

2) الصداقة الكاذبة تخدع، ولا تُظهر ما تُخبئه في الداخل من دوافع سيئة (مز 3:28). هي لا تَعطف وتشفق ولا تواسي. قال ايوب عن اصحابه: “المُستهزئون بي هم أصحابي” (ايوب 20:16). وفي مزمور 11:38 يقول “احبائي واصحابي يقفون تجاه ضربتي، وأقاربي وقفوا بعيدًا”. وهذا عكس ما فعلهُ انيسيفورس مع بولس (2 تيمو 1: 16-17) فقد اراحهُ ولم يخجل بسلسلتهِ.

3) الصداقة الغادرة تسعى للمنفعة الشخصية (امثال20:14). هي تقترب من ذوي المال وتبتعد عن الفقير. مثال عن الصداقة الغادرة خيانة يهوذا للرب وغدره له (متى 49:26)، وفي مراثي ارميا 2:1 يقول الكتاب “كل اصحابها غَدروا بها صاروا لها أعداء”. ويقول زكريا عن الألم من غدر الأصدقاء “جُرحت في بيت أحبائي” (زكريا 6:13).

لقد وضعَ الكتاب المقدس تعاليم عن مبادئ الصداقة منها:

  • وجوب التمسك بالأصدقاء وعدم التخلي عنهم (امثال10:27)
  • طهارة اللسان وعفته، استقامة القلب وعدم الغضب (أمثال 11:22؛ 24:22-25؛ 13:16)
  • عدم حسد الصديقة صديقتها بل وجوب الفرح من أجل سعادتها (يوحنا 29:3) (1 كو4:13)
  • إذا قصّرت صديقتكِ معك فلا تلقي الملامة عليها. احترمي وقتها بل قَدمي العذر لها دائمًا (امثال 17:26)
  • الصداقة لا تعني التدخل بأمور صديقتي، (1بط 15:4) فهناك حدود للصداقة والخصوصيات.
  • إحدى بركات الصداقة هي أن صديقتي تُساعدني على اكتشاف عيوبي (امثال17:27؛ 6:27)
  • الصداقة لا تعني عدم وجود خلافات في العلاقة، لكنها تُحل بالمحبة والتفاهم والوداعة (اعمال15-36:40؛ غلاطية 11:2-14).

عزيزتي، لا يوجد أعظم من يسوع كصديق؛ لقد كان مُعلمًا صالحًا، صادقًا وأمينًا، لم يعمل ظُلمًا ولم يكن في فمهِ غش. أحبَّ يسوع الجميع واستوعبَ كُل الأصدقاء، وقد اتخذ من تلاميذهُ اصدقاءً واعتبرهم أخوة وشركاء، جعلهم خاصتهُ وأحبهم الى المنتهى. اختار الرب الناس البُسطاء ليكونوا تلاميذهُ، من عامة الناس اختارهم، وكان المنبوذون والمكروهون من بينهم (متى9-13:11)، فساندهم وعلّمهم ووّجههم. أحب يسوع الأعداء، ورغم حبهُ لهم كرهوهُ وأرادوا قتلهُ لكنهُ لم يبادلهم بغضًا وعداوة بل أحبهم وغفر لهم. صلى من أجلهم وعلّم تلاميذه أن يصلوا من أجل الذين يسيئون اليهم (متى 44:5). والأكثر من ذلك، طلبَ الغفران لصالبيه (لوقا 34:23).
لقد كان حُبهُ ثابتًا لأصدقائه لم تُغيرهُ الظروف ولم يتأثر بضعف اصدقائهُ ولا بتخليّهم عنهُ ولا حتى بخيانتهم لهُ وانكارهم لهُ، بل حرص على من ضعفَ، وردّ من إبتعد، وطمأن من خاف، وبرّأَ من أنكر. وحتى الذي خان لم ينتهرهُ بل قال لهُ: “لماذا جئت يا صاحب؟” (متى50:26). هذا هو يسوع الصديق العظيم الذي بقيّ صديقًا لبطرس رغمَ إنكاره له.
عزيزتي القارئة، اقتربي إليهِ، صادقيه وتلذّذي بِحبه لكِ، فهو لن يتخلى عنكِ أبدًا حتى لو تركك الجميع وخدعوكِ وغدروكِ وجرحوكِ. هو يبقى بقربك وصداقتك لهُ ستؤثر فيكِ لتقفي ضِد الخطية. إن صداقته لك ستزيل كل إحساس بالغربة. إذا كنتِ شبعانة بصداقة المسيح فإنك ستؤثرين على الآخرين بالخير والمحبة والبناء.

وفي النهاية: هل صديقٌ كيسوع قادرٌ بارٌ أمين ورقيقُ القلبِ يرثي لبلاء المؤمنين؟

الصداقة
الصداقة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟