مبادئ إنسانية

يجعل لنا أغصانا

37 مبادئ إنسانية :

كما تروي الأمطار الأرض المشتقة في الصحراء

هكذا يبعث الله الروح في حياتنا الجافة فيحييها

في بعض المناطق الصحراوية يوجد نبات غريب فهذا النبات ينمو حيث توجد منطقة رطبة يستطيع أن يغرس فيها جذوره فتنمو أوراقه وتمتد فإذا جفت الرمال وانعدمت الرطوبة خلع النبات جذوره والتفت أوراقه حول الساق وتكور على ذاته فصار كرة جوفاء من الجذور والأوراق الجافة تحملها الرياح وتنقلها إلى عشرات الكيلومترات على امتداد الصحراء الواسعة فإذا حدث أن الريح ألقته في منطقة رطبة عاد النبات يرسل جذوره مرة أخرى في الرمال فتنعش أوراقه وتمتد ساقه وتظل كذالك حين تجف التربة فيخلع النبات جذوره ويتكور ويترك نفسه للريح

وهكذا تتكرر الدورة الحياتية لهذا النبات المسكين الذي ينتعش بعض الوقت ويذبل ويجف أغلب الوقت

وهو في مجرد كرة  من الأوراق والجذور الجافة التي لا تثمر شيئا ولا تنفع شيئا

وكثيرا من الناس يعيشون حياة تشبه هذه النبات فهم يتركون أنفسهم للريح وليس لهم جذور ثابتة لذالك فليس لهم حياة مزهرة ولا يحملون ثمرا وهو في أغلب الأحيان لا شيء سوى جذور وأوراق جافة

لاذا تصحرت حياتنا؟

الإنسان مثل الأشجار بعضها ينبت عند مجرى الماء فيرتوي وينضر وتخضر هامته وتبتل أوراقه بندى الصبح فيزهر ويثمر وبعض الأشجار تنمو في بيئة جافة فتصبح خشنة كالحة اللون تحرقها الشمس فتجف أوراقها وتظل عقيمة بلا زهر ولا ثمر

وحين خلق الله الإنسان خلقه في بستان أراد الله للإنسان أن يعيش حياة الارتواء والشبع أراد له أن يكون مورقا ومزهرا ومثمرا جسدا ونفسا وروحا

ولذالك فقد بسط الله في الأرض مائدة سخية إذ ملأ الأرض بخيرات مادية وفيرة ومتنوعة لإشباع أجساد البشر جميعا بصنوف الطعام لكنه أراد للإنسان أيضا أن يعيش في ارتواء وشبع روحي فائض لذالك قربه إليه فالاقتراب إلى الله هو السبيل الوحيد للشبع الروحي

لكن الإنسان ابتعد عن الله وسقط في شهواته وأطماعه وخطاياه فانفصلت روحه عن ينابيع الارتواء والشبع أصبح الإنسان كائنا صحراويا جافا يطلق جذوره في أرض أطماعه المادية لعله يرتوي فإذا به يزداد عطشا ويظل طوال حياته يجري فلا يحقق راحة النفس ثم يترك الإنسان نفسه الغالية تحملها كل الرياح فلا يستقر له حال

لقد استطاعت طبيعتنا الطامعة أن تشتتنا وتفرقنا فلم يعد الإنسان مستقرا على حال ولقد حملتنا رياح الأطماع إلى حيث لا نعلم وجعلتنا نتكور على ذواتنا لتحملنا من مستنقع إلى آخر فلا نكاد نستقر على نبع حتى نكتشف أنه ضحل قليل وتمضي بنا الحياة إلى جفاف روحي إلى تصحر كامل لقد أًبحت حياتنا رمالا وصخورا وجبالا وخوفا

الحياة الروحية الخضراء

فكيف يعود الإنسان إلى حياة الارتواء والشبع؟

كيف يصبح بستانا نضرا مزهرا مثمرا؟

الإنسان كائن روحي خلقه الله ووضع فيه نسمة الحياة لذالك فإن الإنسان لا يشبع إلا من الله  لأن الله روح ولا يمكن أن يرتوي هذا الكائن الروحي من الخيرات التي تغذي الجسد

الشبع الروحي يرتبط بالوجود مع الله فكما تنزل الأمطار على الأرض الناشفة المشققة فترويها هكذا ينسكب روح الله في قلب الإنسان فيغسله ويطهره ويسكنه ويملأه ويشبعه ويمنحه الإشراق والبهاء والثمر

إن الله يريد أن يعيد إلينا البهاء والإشراق إنه يريد أن نتحول عن أطماعنا الأرضية التي لم تشبع أحدا ونتطلع إلى الله مصدر الحياة الوحيد

إننا نرفع عيوننا إلى السماء ونطلب انسكاب المطر نطلب روح الحياة القوة التي تحول الخصر الناشف إلى تربة حية

إنه يلدنا من جديد

أرضا خضراء

ويثمر فينا ثمار البر

صرخة إنسانية

يا رب

نحمدك يوم خلقت الإنسان

خلقته في بستان

أردت منذ البداية

أن تكون حياتنا خضراء

وأيامنا ملونة بالثمار

وأجوائنا معطرة بالحب

نديه بالرضا

ولكننا عصيناك

تركناك

أخطأنا إلى أنفسنا

وإليك

طمرنا الينابيع الحلوة

هجرنا واحة الظلال

دسنا بأقدامنا الشاردة

فوق الزهور الرقيقة

واحتضنا الشوك

أخرسنا تسابيح الحمد

وأسكتنا ترانيم النشوة والحب

وأسكنا في حناجرنا لعنات الغضب

لوثنا نقاء الأيام الحالمة

إغتلنا الربيع الضاحك

أعتمنا وجه الصبح الندى

ذبحنا براءة الإنسان الطفل

إقتلعنا أظافره الناعمة

وأقمنا الإنسان الوحش

صاحب الأنياب والمخالب

أعجبتنا الدماء

فصار لنا قلب جلاد غليظ

يصلب الحق

ويهلل للزيف والظلم

ولقد عرفنا الجفاف بأبعاده المحرقة

اخشوشنت نعومة الأيام

جفت ينابيع العطاء

تصحرت القلوب

فلم تعد تثمر حبا

أو تمنح زادا

أو تنشر ظلا للطريق

صارت عواطفنا رياحا ساخنة

تخنق أنفاس الحياة

صارت حياتنا رمالا وهضابا وجبالا

وصخور أناتئة سوداء

قتلتنا خطايانا

كتمت نسمة الحياة في صدرنا

أحرقت الجذور التي كانت تربطنا

بك

أسقطت الأوراق والأزهار والثمار

من فوق أغصاننا المصلوبة

صرنا أشجارا عارية مشبوحة

كالصلبان الغشيمة

في ساحة إعدام رومانية

فمن سواك يعيد الحياة

لمن فارقته أنفاسه؟

من غيرك يمنح ميلادا جديدا

لمن قتلته خطاياه؟

من سواك يسكل فيضا وغيثا

على نفوسنا التي تصحرت؟

من غيرك يحول الرمال العقيمة

إلى تربة ولودة خصبة؟

فلتسكب أمطار نعمتك

لتروي أرض قلوبنا المشققة

لتجعل صحراء حياتنا

بستانا أخضر

اسكب علينا روحا من السماء

يحيي أرواحنا الميتة

يجدد تربتنا

يشفي جدبنا

يغير طبيعتنا

يجددنا

يخرج منا براعم خضراء

يطلق ثمار فوق فروعنا

يجعل لنا أغصانا

تمتد إلى سمائك

يا رب

يجعل لنا أغصانا
يجعل لنا أغصانا

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟