مبادئ إنسانية

هل لنا أن نفكر في مصيرنا الأبدي؟

11 مبادئ إنسانية

إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك يا رب معي

هل لنا أن نفكر في مصيرنا الأبدي؟

مرحبا أيها الموت

يختلف الإنسان اختلافا بينا عن غيره من المخلوقات بكونه قادرا على التفكير في المستقبل فكافة الحيوانات تعيش في الحاضر لكن الإنسان وحده يفكر فيما يختص بغده ويعلم بذكائه المميز أن كل قرار يأخذه وكل خطوة يخطوها لابد أن يكون لها تأثير من نوع ما على مجرى حياته لذالك فمن واجبنا أن نفكر تفكيرا جادا في مستقبلنا على الجانب الآخر من الحياة

خرج الأمير على رأس جيشه ليحارب أعداء بلاده الأشداء فتحقق له الفوز

وعند عودة الأمير انطلقت الأبواق تعلن وصول الفارس المنتصر وأطلقت الحمامات البيضاء في أجواء المدينة ورفرفت أعلام النصر فوق رؤوس الجند وعمت السعادة أرجاء المعمورة

واحد بين جميع الناس غابت الفرحة عن وجهه وعلته إمارات الحزن العميق اضطرت خطاه وغاصت أقدامه في بحر من الألم والندم إنه الملك الأسير الذي خسر الحرب جاء ذليلا منكسرا يتبع سيده إلى المصير الأليم

وحين عبر المنتصرون أبواب النصر عبر معهم الأسير أبواب المهانة والخزي فكانت أحلى لحظات الأمير المكلل بالغاز هي أمر لحظات الملك المجلل بالخزي كانت احتفالات النصر في عينيه متأثما وأناشيد الفرح في أذنيه صراخا وعويلا

وأمام كل باب في الحياة تختلف مشاعر الداخلين فالغريب يدخل متوجسا واللص يدخل على أطراف قديمه حذرا ويدخل العبد كارها أما صاحب البيت فيدخل بيته مطمئنا

والموت واحد من هذه البوابات التي تختلف عندها مشاعر الداخلين فساحة الموت كميناء الوصول الذي يجتمع فيه السعداء والتعساء وتلتقي فيه الدموع والضحكات

الموت حقيقة

للكاتب الأيرلندي الساخر برنارد شو عبارة تقول بين كل واحد في هذا العالم يوجد واحد لابد أن يموت هذه هي الإحصائية المطلقة

ففي حياة كل فرد الوجود موعدان هامان لابد من تنفيذهما هما موعد ميلاده وموعد رحيله

ورحلة الموت تبدأ في يوم الميلاد على حين يبدأ الميلاد الجديد في يوم الرحيل وهذا بعض عظمة الإنسان الذي أحبه الله وميزه وكرمه على سائر الخليقة

نحن والموت

يقف الناس أمام الموت مواقف متباينة

فهناك العقليون الذين أجهدهم الفكر وأتعبهم الوقوف أما سر الموت فخلصوا إلى أن العقل البشري لا يستطيع أن يهتك أسار الموت أو يعرف أسراره وأن جميع الآراء الفلسفية التي فاقت الحصر لم تستطع أن تبدد ظلمة الموت الحالكة

وهناك المتجاهلون الذين يعلمون أن الموت حق على الجميع وهو مصيرهم المحتوم لكنهم يتجاهلونه ولا يستحبون التفكير فيه لأنه يصير في نفوسهم انقباضا ثقيلا ويذكرهم برحيل الأحباء

وهناك الجامدون ذوو المشاعر الساكنة وأغلبهم ليس لهم مع الموت تجارب مؤثرة تمس مشاعرهم من قريب إذ لم يحدث في حياتهم أن اختطف الموت حبيبا أو قريبا لهم وهم يحسبون أن أمامهم فسحة من الزمن قبل أن يقترب الموت من أجسادهم كذالك فهم لا يبالون به كحدث من أهم أحداث المستقبل

أما السوداويون فيرون أن الموت سحابة كثيفة قاتمة تخيم على العقول وليس إلى اختراقها من سبيل فليس هناك خيط من النور يمكن أن يخترق الظلام المطبق على القبر

والماديون الذين فقد الموت موعظته بينهم تبلدت أحاسيسهم وأظلم فكرهم وأهمت المادة بصائرهم فأصبحوا كحيوان الغاب ينهشون جيف إخوتهم فيتاجرون بأجساد الموتى وينبهون حاجاتهم قبل أن يوارهم التراب ويأكلون حقوق أطفالهم الأبرياء دون تفكر في عبرة الموت

وهناك الروحيون الذين يعرفون معرفة اليقين ما وراء القبر من مساءلة وحساب ويعرفون أن الله عادل وقدوس وحق لذالك فلابد أن ينزل بالإنسان عقابه الصارم الذي توعد به من لا يطع قوله سبحانه وتعالى ومن أهمل حياته الروحية في مباهج الدنيا واستهتار بغضب الله

مرحبا بالموت

علم رجل أمريكي أسنه كارل ديفيز أنه يقترب من الموت كان كذالك قبل وفاته بستة أسابيع متأثرا بأورام خبيثة فأتجه الرجل في هدوء إلى أوراقه وسجلاته فأعد كل الترتيبات الخاصة بشؤونه المالية وكتب وصيته ثم انفرد جانبا بكل واحد  من أولاده يستمتع به ويمتعه ثم أعد الرجل ترتيبات جنازته التي أتخذ الضمانات الكافية لكي تكون في جملتها رسالة شكر الله وحمدا له

وقبل أن يرحل كارل كان قد تيقن تماما أنه جاهز تماما ماديا وأدبيا وروحيا لرحلة العودة إلى عالم الروح

وهناك كثيرون قد أعدوا أنفسهم للرحيل وامتلأت قلوبهم بالطمأنينة واليقين فهم لا يدخلون إلى المجهول لكنهم يستشعرون نعيم الآخرة وهم بعد في شقاء الدنيا

وعلى النقيض فإن الكثيرين يرتجفون خوفا من عذاب القبر إذ لا يجدون سلاما داخليا أو يقينا قلبيا ثابتا في رحمة الله لذالك تعتصر المخاوف قلوبهم

قال أحدهم وهو يحتضر ” كأني أتنفس من سم الخياط وكأن غصن شوك يجر به من قدمي إلى هامتي”

 وقال آخر ” أًبحت من الدنيا راحلا ولإخوتي مفارقا وبكأس المنية شاربا وعلى الله واردا ولا أدري أتصير نفسي إلى الجنة فأهنئها أم إلى النار فأعزيها؟”

من الكلمات المأثورة للنبي داود قوله

” إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك أنك يا رب معي”

والعبارة تحمل كثيرا من المعان الرائعة فالموت ليس ظلمة لكنه مجرد ظل والعبور في وادي الموت لن يكون مخيفا مرعبا ما دام الله معنا في رحلة العبور وسيتوارى الشر من أمام أعيننا وتختفي الرجفة والخوف والشك من قبولنا  ويحل اليقين والثقة لا بأنفسنا بل بمن معنا

اليقين

إن أثمن ما يعبر الإنسان من دنيا البشر إلى عالم الخلود هو اليقين والثقة بالله و أو هي ما يمكن أن يتعلق به إنسان هو أن يتصور أنه أتى من العمل الصالح ما يجعله مستحقا للنعيم أو في مأمن من العقاب

إن اليقين الذي يملأ القلب أساسه الإيمان بالله لا بوجوده فحسب بل في جوهر قداسته وعدله من جانب وحبه ونعمته من جانب آخر

فعدل الله لابد أن يدين الأشرار وقداسته لا تقبل الشر والخطيئة والفساد والنجاسة التي تملأ أيدينا نحن البشر أجمعين ونحن إذ نؤمن بهذا تنخلع قلوبنا خوفا وخشية من نيران غضب الله القدوس العادل

لكننا نؤمن بمحبة الله ينابيع الحب المطلقة التي لا تعرف الحدود والتي توجد لنا من الموت مخارج آمنة من خلال نعمة الله التي ينعم بها علينا مجانا وليس من أجل أعمالنا أو حقوقنا

وحين نعبر إلى الأبدية فإننا نكون كالعبد المديون الذي لا يملك حريته أو تسديد ديونه لكنه يدخل في حمى سيد كريم يدفع عنه ديونه يسدد فواتير حساباته القديمة المتراكمة إن الله إذ يدفع عنا ثمن نجاتنا إنما يدفعه من باب الرحمة والتفضيل إذ التجأنا إلى باب نعمته طالبين أن يكشف لنا أسرار القبول وهو حينئذ يملأ قلوبنا يقينا وسلاما لا يعتمد على حالتنا بل على فضله الواسع وتدبيره الحكيم وأمانته المطلقة ونعمته الغنية

صرخة إنسانية

يا ربنا

لقد قرأت كثيرا عن صرخات الخائفين

الملتاعين من هول عقابك

ومن يستطيع أن يواجه غضبك

ولا يذوب لحمه مع عظامه؟

يا ربنا

أنا أعلم أنك العادل الديان الذي

تقتص من الأشرار والخطاة

وأنا أول الأشرار والخطاة

يا ربنا

إنني أستحق نار الجحيم

وعذاب القبر

لكنني أؤمن بنعمتك

مثل إيماني بعدلك

فأكتشف لي عن

قنوات النعمة التي تصلني ببحور

رحلتم وغفرانك

أكشف لي طريق الغفران الذي

تتحقق فيه مراحمك وحبك وعدلك

افتح عيني وأملأ قلبي وعقلي حتى

أرى النور خلف ظلمة القبر ووراء

أبواب الموت الموحشة

يا رب

 

هل لنا أن نفكر في مصيرنا الأبدي؟
هل لنا أن نفكر في مصيرنا الأبدي؟
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟