مبادئ إنسانية

ليس من يضمن المصير غيرك

44 مبادئ إنسانية :

إن الله يطعم الطيور ويروي حشائش الأرض

لكن اهتمامه الخاص جدا بك أنت

عندما كان الإمبراطور نابليون يحكم فرنسا بقبضة من حديد غضب على رجل من أتباعه فأرسله إلى أحد الحصون البعيدة حيث ألقى في زنزانة ضيقة ليس بها سوى نافذة صغيرة جدا في أعلى الحائط

وأحس الرجل بالوحشة الشديدة وظل ينتظر وساطة من صديق أو زيارة من حبيب لكنه أدرك بعد طوال الانتظار أنه أصبح منسيا تماما وليس هناك من يذكره خارج الأسوار

وفي مرارة اليأس والوحدة القاتلة أمسك بقطعة صغيرة من الحجر وكتب على الحائط “لا أحد يهتم بي”

ومرت الأيام الثقيلة بلا أمل ولا رفيق فلم يكن أمامه إلا التأمل في جدران الزنزانة وفي بابها الحديدي وأرضها الحجرية المشققة حتى حفظ مواقع الشقوق عن ظهر قلب

وفي صباح أحد الأيام استيقظ الرجل وجال بعينيه في أرجاء الغرفة فلاحظ وجود نقطة صغيرة خضراء بين شقوق الأرض ولم يرها من قبل فانبطح على بطنه ودقق النظر فيها فأدرك أنها برعم دقيق لنبات صغير يتسلل من بين الشقوق ليطل عليه

ومرت الأيام والنبات يعلو ويتجه نحو النافذة الصغيرة في إتجاه النور وأخذ السجين يعتني بالنبت الصغير فهو يوفر جزءا من الماء الذي يحضره السجان كل صباح فيسقى به رفيقه الجديد

وفي يوم ربيعي مشرق ظهرت فوق الغصن زهرة جميلة زرقاء ما لبثت أن تفتحت بكامل بهائها وجمالها وكأنها تبتسم له وحده دون جميع الخلق لقد جاءه الربيع في زنزانته الضيقة

ونهض الرجل وقد امتلأت روحه اليائسة بنشوة جديدة فأمسك بقطعة الحجر الصغيرة فمحى الكلمات الأولى التي كتبها من قبل وكتب فوقها إن الله يهتم بي

اهتمامات الله الشاملة

لا شك أن الله الذي خلق هذا الكون وأبدعه لابد أن يمنح اهتمامه لكل شيء فيه

إنه يسير الأفلاك:

فهذا العالم الواسع بما فيه من الكواكب والأقمار وملايين النجوم وبكل هذه التجمعات الفلكية السابحة في الفضاء الكوني الذي لا نعرف مداه جميعها تحكمها وتديرها قدرة سماوية شاملة

إن الله عظيم وقدراته لا حدود لها واهتماماته شاملة وهو سبحانه لا يتهم بعظائم المخلوقات فحسب بل تمتد عنايته إلى أشياء صغيرة متناهية الدقة

وهو يعتني بالطيور الصغيرة:

في قصيدة طريفة للشاعرة إليزابيت شنى تقول إن حوارا دار بين عصفورين صغيرين فقال أحدهما للآخر إنني أريد حقا أن أعرف لماذا تتدافع هذه الكائنات البشرية ويعيش الناس في توتر دائم وفي قلق شديد؟ وفكر العصفور الآخر قليلا ثم قال ” لابد أن يكون السبب يا صديقي أن البشر على ما أظن ليس لهم إلها محبا في السماء يعتني بهم مثلما لي أنا وأنت”

والمعنى الذي تقصده الشاعرة هنا هو أن الله الذي يطعم طيور السماء لابد أن يعتني أيضا بالبشر لكن البشر لا يقدرون اهتمام الله بهم

ولله ساهر علينا:

واهتمام الله بنا لا ينقطع بالليل أو انهار فهو لا ينام ولا يغفل قيل لسيدة بسيطة تنام في عشة على الطريق” كيف تنامين في هذا المكان الموحش”فأجابت إنني في كل ليلة أدعو الله أن يعتني بي ويحرسني ثم أنام وأنا ويسهر الله فلا داعي أن نسهر نحن الاثنين إن عين الله لا تنام أبدا

وهو يرى الجميع:

في أحد الاحتفالات المدرسية جاء الوزير فالتف حوله مئات الأطفال يحيونه في الفناء وبعد انتهاء الحفل غادر الوزير المكان وبقيت طفلة صغيرة تبكي في أحد الأركان واقتربت منها إحدى المشرفات وسألتها لماذا تبكين ألم تر الوزير ؟ فأجابت الطفلة لقد رأيته لكنني أبكي لأنه هو لم يراني

إن هذا الموقف لا يتكرر مع الله أبدا فهو يرانا جميعا ويستطيع أن يمنح اهتمامه بكل واحد فينا مهما كان شأنه

قد نحسب بتفكيرنا البشري أن مسؤوليات الله الكثيرة تحجب إهتمامه بنا إذ كيف ينظر الله إلى كوكبنا الضئيل في وسط هذا الكون الممتد

لقد كان يمكن أن يبدو تفكيرنا معقولا لو أن الله سبحانه وتعالى كان محدودا مثلنا لكن الله العظيم يرى كل الخليقة وتصل أبصاره إلى عمق أعماقها إنه إله الاهتمامات الشاملة

ولله اهتمامات خاصة

إن اهتمامات الله الشاملة بإدارة الكون وتحريك الأفلاك وسياسة الأيام لا تحجب اهتمامه الخاص بعالم البشر فهو يمنح التموين اليومي لكل فم ويسدد احتياج كل فرد من أفراد الخليقة

ومن العجيب أن لا يفكر الإنسان في عطايا الله وفي إهتمامه الدائم فقد حسب الإنسان هذه العطايا حقا مكتسبا لا يستحق مجرد التفكير وبلغ تجاهله لرعاية الله له أنه ظن أن الحياة تسير بجهده هو وقدرته هو

هناك قصة طريفة عن فلاح أمريكي عاد إلى بيته في يوم من أيام الحصاد وهو يحمل في يده سنبلة قمح جميلة فأراها لزوجته وهو يقول في كبرياء: أظن أن فلاحا مثلي ينتج هذه السنابل يستحق تكريما خاصا أليس كذالك وضحكت سنبلة القمح وهي تقول أيظن هذا الرجل أنه صنعني لقد شارك بشيء بسيط أما الذي اعتنى به فهو الله

لقد منح الأرض الخصبة لهذا الفلاح وأعطاه الصحة ليعمل في الحقل ثم أعطاه حبة قمح مليئة بالحياة وعندما ألقاها الفلاح في الأرض ومضى إلى بيته ظل الله يعمل على إنمائها في قلب التربة

وأرشد الله جذورها أن تتغلغل في الأعماق حيث غذاؤها وعلم ساقها أن يمتد إلى أعلى ليتنفس الهواء ومنحها شروق الشمس والندى والمطر وأرسل الريح لتحمل اللقاح فامتلأت كل حبة بالنسل ثم لونني الله بلون الذهب مظهرا حبه واهتمامه بي وبعد كل هذا يحسب هذا الفلاح أنه صنعني

قال أحد علماء النبات إن الإنسان يشارك بجهد لا يزيد على خمسة بالمائة في عمل الزراعة في تحويل البذرة إلى ثمرة ويقوم الخالق بكل شيء

إن اهتمامات خاصة بالبشر يطعمهم ويرويهم ويعالجهم ويحميهم ويعلمهم ويهديهم

ولله اهتمام خاص جدا

ومع أن لله يهتم اهتماما بالغا بأجساد البشر إلا أن اهتمامه الأعظم هو بأرواح الناس فالله روح وهو يريد أن يفتدي أرواحنا حتى ننال الحياة والخلود

 ولقد وضع الله في داخلنا شوقا إليه وميلا روحيا للاتصال به فأرواحنا لا تشبعها كل خيرات الأرض بل تجد شبعها في الله وحده

لكننا نحن البشر نسير وراء غرائزنا وتخدعنا طبيعتنا الجسدية وتوجهنا نحو إشباع الجسد والتعلق بالمكاسب المادية التي لا حيلة لها في خلاص النفس وحياة الروح

ويتدخل الشيطان ليخدعنا فيدفعنا إلى حياة التدين الشكلي الزائف الذي يرضي غرورنا وعصبيتنا لكنه أبدا لا يغير الحياة ولا يشبع القلب

إن الله يريد أن يمنحنا اتصالا روحيا يربطنا به بينما نغرق نحن أنفسنا في عبادات شكلية وطقوس والتزامات مادية لا تطهر القلب ولا تمنحنا تواصلا مع روح الله

إن إهتمام الله الخاص جدا هو إيقاظنا من غفلتنا وإغراقنا في التدين الخادع إن الله في سمائه ليس في حاجة لعبادتنا النمطية بل يريد أ، يقدس قلوبنا في الداخل وهو أمر لا يتحقق بقوة الأحياء التي يمنحها روح الله

إن إهتمام الله الأعظم هو أن يغرس في قلوبنا بذرة القداسة التي تؤهلنا أن نحيا إلى الأبد إن الله يريد أن يكشف لنا الطريق الذي يؤدي إلى الحياة الأبدية حيث تتلقى أرواحنا في محضر الله تحت غطاء من قداسة الله وليس تحت غطاء من أعمال البشر الملوثة بالخطيئة والشر

إن أيام الحياة البشرية قصيرة وتأتي بعدها حياة خالدة في نعيم أو في عذاب لذالك فإن اهتمام الله بأرواحنا لا ينقطع حتى آخر لحظة في الحياة إن اهتمامه الخاص جدا بي وبك

صرخة إنسانية

يا رب

أشكرك لاهتمامك بي

وبكل العالم

أشكرك لأنك تطعمني وترويني

وأشكرك لأنك ترشدني وتهديني

أشكرك   لأنك تشبع حاجات جسدي

وأشكرك لأنك تتعدهني بالخير الدائم

أشكرك لاهتمامك بروحي ومصيري

فليس من يقدس الروح سواك

وليس من يضمن المصير غيرك

فامنحني البصيرة الروحية

فلا تخدعني عبادتي الشكلية

وأعطني الفهم الواعي

فلا أعتمد على دعايات البشر

وأعطني التمييز الروحي

فلا تخدعني الأوهام

أِكرك يا إلهي

فأنا أثق أنك تهتم بي اليوم

اهتماما خاصا

فاصنع في داخلي معجزة حقيقية

ضع في داخلي بذرة حياة جديدة

أربطني بك برباط القداسة

فأحيا معك إلى الأبد

يا رب

ليس من يضمن المصير غيرك
ليس من يضمن المصير غيرك

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟