مبادئ إنسانية

لمسة الله التي تغير الحياة

47 مبادئ إنسانية :

الحياة المزدوجة عبء ثقيل يبدد قوة الحياة

والحاجة إلى لمسة الله التي توحد القلب

في إحدى المجلات الفكاهية القديمة قرأت القصة التالية تحت عنوان: حساب البقال وتقول القصة:

جلس الحاج مسعود على مصطبة داره بين نخبة من أصدقائه أهالي القرية ثم أرسل في طلب البقال الذي يشتري منه حاجيات المنزل على الحساب وذالك لكي يدفع له حسابه

وجاء البقال ومعه دفتر الحساب الذي يقيد به مشتريات الحاج وطلب الحاج أ، يتلو عليه ما أثبته في دفتره فأخذ البقال يقرأ وإذا بالحاج يستوقفه قائلا:

بتقول إيه علبة كبريت؟

نعم يا حاج

لا يا ابني إنها دستة يعني 12 علبة صلح الحساب

متشكر جدا يا عم الحاج

وقال الحاج وهو يرمق الحاضرين من طرف خفي:

يا ابني دي مسألة ذمة

ودمدم الحاضرين قائلين:

يا سلام على الذمة يا سلام على الأمانة أهو كده الضمير والأخلاق

وأستأنف البقال القراءة حتى وصل إلى قوله:

قطعة صابون غسيل بثلاثة قروش

فصاح الحاج:

قطعة وحدة؟ لا يا ابني  نحن طلبنا قطعة واحدة لكي نجربها وبعد أن أعجبتنا أخذنا ست قطع مرة وفي مرة ثانية أخذنا ثلاث قطع

وأصلح البقال الرقم وهو يلهج بالدعاء للحاج وهز الحاج رأسه وداعب حبات سبحته وقال:

دي مسألة ذمة يا ابني وقانا الله شر الحرام وأولاد الحرام

وهكذا مضى الحاج يصلح له بعض الأرقام فورقة الملح أصلها ثلاث ورقات وإبرة الخياطة أصلها دستة وربع كيلو الجبنة أصله نصف كيلو والحلاوة الطحينة نصف كيلو بدلا من ربع

وكان الجالسون قد ملكهم الإعجاب بأمانة الحاج وذمته النظيفة وذاكرته القوية التي تبين أنها أضبط وأدق من دفتر البقال

واستأنف البقال القراءة قائلا:

صفيحة سمن بلدي

فأنتفض الحاج قائلا في دهشة:

صفيحة سمن؟

فقال البقال

نعم وقد حملتها بنفسي إلى المنزل وهناك اختبرت الحاجة نوع السمن وأعجبت به..و..

فقاطعه قائلا:

ماذا تقول يا بني؟ صفيحة سمن ؟ لم تدخل بيتي إطلاقا وأنا عادة لا أشتري السمن وإنما أشتري الزبدة لخزين السنة وأحولها سمن وكل ما هنالك أن الخزين نفذ قبل موعده فأرسلنا نطلب منك رطلا واحدا لا صفيحة

وتصبب العرق من جبين البقال وقال:

لقد اشتريتها لكم خصيصا يا عم الحاج وهي مقيدة بالدفتر

وضحك الحاج وضحك معه الحاضرون ومضوا يقولون ساخرين:

دفتر قال دفتر قال… دفتر إيه الملخبط ده؟

واضطرب البقال ولم يعرف ماذا يقول لقد كان واثقا كل الثقة من أن الحاج اشتري منه صفيحة السمن وقد حملها بنفسه إلى المنزل وفحصها الحاج كما فحصتها زوجته الحاجة ولكن ماذا عسى أن يقول إزاء ذاكرة الحاج التي ثبت أمام الحاضرين أنها أضبط وأدق من الدفتر

وعاد الحاج يقول:

دي مسألة ذمة يا ابني ثم أردف يقول بلهجة ساخرة:

أم أنك تشك في ذمتي؟

وتعالت أصوات الحاضرين قائلة:

لا سمح لله لا سمح لله

وقال البقال الذي كان قد عصف به الغيظ والحنق على هذا الحاج الذي يذكر علبة الكبريت وينسى صفيحة السمن:

جل من لا ينسى الحاج

يعني إيه بقى؟

إذا سمحت أرجوك تسأل ست الحاجة لا يمكن أن تنسى صفيحة السمن التي فحصتها جيدا واختبرت محتوياتها وأعربت عن رضائها وأعجباها بجودة السمن

وتصايح الحاضرون غاضبين كيف يجرؤ البقال عن التشكيك في ذاكرة الحاج وصالح أحدهم:

يا راجل عيب ما يصحش

وقال الآخر

أنت أتجننت ؟ ما تشوف مين اللي خذ منك صفيحة السمن؟

وأسقط في يد البقال ولم يجد ما يقوله فعاد يقرأ دفتر الحساب والحاج يضيف علبة كبريت هنا وورقة ملح  هناك حتى إذا انتهى من مراجعة الدفتر دفع له الحاج حسابه حسب الذمة

وبالرغم من أن هذه القصة مجرد صفحات ضاحكة في مجلة فكاهية إلا أنها تعكس بصورة ساخرة ما يلجأ إليه البعض من إدعاء التقوى والصلاح وارتداء قناع مزيف يظهرون به أمام الناس وهم في الواقع يخفون وراءه نفسا شريرة كاذبة

الحياة بوجهين

هناك قصة شهيرة عن سيدة ذهبت لزيارة صديقة لها  فما أن دخلت المنزل حتى أخذ ابن صديقتها  الطفل يدور حولها ويدقق النظر فيها وكأنه يبحث عن شيء ضائع فلما سألته الضيفة عن سبب دورانه حولها قال: إنني أبحث عن وجهك الآخر فقد سمعت أمي تقول إن لك وجهين

وأوقع الطفل أمه في مشكلة هو كطفل برئ لم يكن يعرف أن هذا التعبير يعني أنها سيدة منافقة تظهر لكل واحد بوجه مختلف وهي تعيش بشخصية مزدوجة تبتسم لك بوجه وتبتسم لعدوك بالآخر

والرياء نوع آخر من الازدواج والتشكل

فالرياء هو تظاهر الإنسان بما لا يتصف به من الفضائل والمرائي هو المموه الذي يكون ظاهره مخالفا لباطنه فبوجهه الظاهر يبدي الطيبة والتقوى والصلاح وبوجهه الخفي يمارس حياته الواقعية بكل ما في طبيعته البشرية من رغبات وشهوات وميول

ولماذا هذا الازدواج؟

ما الذي يرغم الإنسان أن يعيش حياتين؟

إن هناك أسباب كثيرة ولكننا نقف عند ثلاثة أسباب:

أولها أ، يكون القلب منقسما:

الإنسان السوي له قلب موحد فمبادئه مبنية على قناعات متينة وهذه القناعات المتينة هي التي تضبط ميوله وتوجهاته وتقودها في إطار واحد متزن

فصاحب القلب الموحد هو صاحب المبادئ والمبادئ في حياته هي التي تقوده وتزمه أما صاحب القلب المنقسم فهو صاحب الرغبات الجامحة والرغبات في حياته هي التي تسوده وتحكمه

ومسكين صاحب القلب المنقسم فهو لا يعرف لمن يقدم ولائه

إن ميوله المتعارضة تكبل قدميه وتدفعه للوقوف مترددا على ناصية الحياة دون أن يتقدم فإذا تقدم في اتجاه ما عاد سريعا من حيث أتى وفي عودته يتعثر ويسقط لأن عينيه تزوغان في اتجاهات متخالفة

إن صاحب القلب المنقسم يصارع رغباته المتعارضة بين ميول الجسد وميول الروح فهو يريد أن يحقق ما تشتهيه عيناه من شهوات الدنيا ويريد في ذات الوقت أن يحقق ما تصبو إليه نفسه من تطلعات الروح ويعيش بقلب منقسم ضائع يحكمه الرياء والخداع

ثانيا: الهزيمة الداخلية:

الصراع بين نوازع الخير والشر موجودة في كل البشر ويحاول الإنسان كثيرا أن ينمي رغبة الخير وأحيانا ينجح لكنه كثيرا ما يواجه الهزائم وينتصر الشر في داخله وتسيطر الشهوات على قلبه وتنكسر إرادة الخير فيه تحت وطأة خطاياه المستترة

والهزيمة التي يحياها الإنسان هزيمة داخلية لا يراها الآخرون فالخطايا تظل بلا رائحة لوقت طويل لذالك يحاول الإنسان أن يتستر عليها ويخفيها بقد ما يستطيع وهذا سبب مباشر للرياء فهو لا يريد أنى يرى الناس ما في داخله من قبح ويكفي ما هو فيه من عذاب

ثالثا: ضعف الطبيعية البشرية وما تتسم به من الذاتية:

إن الإنسان بطبيعته البشرية ميال إلى أرضاء الذات فطبيعته تحكمها الأنانية وحب الذات ومن أ؛ب ذاته كثيرا لابد أن يظلم غيره ولابد أن يكون مكروها من غيره أيضا

لذالك فإن الإنسان هو يسعى أن يحقق لنفسه ما يشتهيه كثيرا ما تدفعه أنانيته أن يأخذ ما هو من حقه وما ليس من حقه أيضا ما هو مشروع وما هو محرم وهو إذ يعلم أن هذا لابد أن يثير غضب الناس ونفورهم فإنه يحتال عليهم بالتمويه والنفاق والرياء إنه يريد هو يخون المبادئ والقيم أن يحتفظ بصورة مقبولة في عيون الناس وكيف يتحقق هذا دون رياء وخداع وأقنعة وزيف

جمال الوجه الواحد

لكن الحياة المزدوجة عبء ثقيل وهي قبل كل شيء ضعف في شخصية صاحبها وعائق يبدد قوة الحياة

فالشخصية السوية القوية تشق طريقها الصعب مثلما يشق النهر القوي طريقه في قلب الصخر متجها إلى مصبه الكبير أما النهر الضعيف فيتشعب ويتضائل ويتبدد ويضيع في الرمال

صاحب الوجه الواحد: قوي مباشر واضح مأمون ثابت القدمين

وصاحب الوجهين : ضعيف ملتو غامض مضطرب لا يؤتمن على شيء

لذالك قيل إن الملتوي في طريقين يسقط في إحداهما

فكيف يتحقق الوجه الواحد

وكيف يتحقق القلب الواحد

وكيف يتحقق الإرادة الواحدة؟

إن الإجابة الصحيحة لابد أن تعترف أن الإنسان لا يمكن أن يتوحد قلبه بغير اللمسة الإلهية التي توحده وتشبعه وتحييه وتملؤه باليقين والثبات

فالإنسان طالما تحكمه بشريته الضعيفة لن يحيد عن أنانيته وخداعه وتمويهه وإدعائه ولن يقوى الإنسان على صراعاته الداخلية التي تفتضح ضعفه الروحي وسيظل الإنسان أسيرا لتيارات الشهوة وعواصف الرغبة وسيظل يتمزق بين ما يعيشه وما يدعيه

إن الحاجة إذن إلى لمسة الله التي تغير الحياة

الحاجة إلى قوة روح الله الذي يسكن القلب

الحاجة ليست إلى إصلاحنا بل إلى إعادة تشكيلنا

إنها ليست انتصاراتنا لكنها انتصارات الله فينا

صرخة إنسانية

يا رب

أحتاج إلى لمسة من يديك الحانية

تجمع بها شتات نفسي

أحتاج إلى قوة من روحك

توحد بها قلبي

فقد مزقني الصراع

وبعثرتني الرغبات

وتلطخ وجهي بكل المساحيق

وارتديت كل الأقنعة

وأنا الآن أريد أتجدد

أن أتغير

أن أتوحد

فاشبع قلبي بك

وأملاني يقينا وثباتا

اغفر لي خطيئتي وآثامي

وأعفو عن عبادتي الزائفة وإدعاءاتي

الكاذبة

وأنر عقلي وقلبي بنور جديد

وأرشدني إلى طريق خلاصك

 يا رب

لمسة الله التي تغير الحياة
لمسة الله التي تغير الحياة

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟