مبادئ إنسانية

للشر ضجيج لا يتحمله حتى الجبابرة

12 مبادئ إنسانية

للشر ضجيج لا يتحمله حتى الجبابرة

لكن الله يتصدى لأقسى مصادر الإزعاج

الضوضاء التي تدمر العقل والقلب

هذا الكلب الشرس لا يريد أن يصمت ورفيقه لا يتوقف عن النباح يكاد رأسي ينفجر نباحهما المستمر يمزق جلد رأسي امتلأت أذناي بعوائهما الكريه

أي جحيم هذا الذي أعيش فيه إنني مستعد أن ألقى بنفسي في أية هاوية سحيقة لا يسمع فيها نباح هذين الكلبين البغيضين

الرحمة.. الرحمة قبل أن تنفجر الدماء من عيني

لماذا لا تتكلم لماذا تنظر إلي لماذا تبحلق في وجهي هكذا كالأبله ؟ افعل شيئا قل شيئا تحرك

هل مت أم أصابك يأس خانق أخمد أنفاسك؟

هل إعتراك رعب قاتل حبس صوتك في حلقومك؟

إسمع.. إسمع يا شريك السوء قم وأقتل الكلبين قبل أن أقتلك هل سمعت؟

ونظر الرجل الآخر إلى رفيقه الثائر وقال:

آه أيها الأحمق وصرت تعوي مثل الكلبين تماما تصرخ مثلهما تزجرهما في يأس تضربهما بيد مرتعشة ثم تتراجع أمامهما كالشريد استعديت علينا الكلاب الجائعة حتى صارت تنهش أبداننا تمزق ملابسنا أنظر كيف تهرأت أجسادنا وتقيحت جروحنا وأصبحنا نعوى كالذئاب ؟ أصرخ الآن ما شئت لكنك ستصمت مثلي في النهاية

وألقى الرجل الأول بجسده إلى الأرض وهو يبكي قائلا:

أي طاحونة تلك التي تدور رحاها فوق رأسي تدشها كحبات القمح؟

إخرس أيها الكلب الشرير إخرس لو كان بيدي بارودة لو كنت أجمل بندقية أو قنبلة لنفستك لكن الباردة في يدك أنت تقتلني

أرجوك أيها الكلب أصمت قليلا ليس معقولا أن تعوي ثلاثة أيام متواصلة لست أرى مبررا لذالك إذ كنت جوعانا فلتنهش قطعة من جسمي إملأ فمك من لحمي إملأ لعله ينطبق لحظة حياتي أعطيها ثمنا للحظة من الصمت والهدوء

كان هذا طرف من الحوار الذي لم ينقطع بين اثنين من اللصوص في سيبيريا في أيام الحكم القيصري بعد أ، قتلا أحد العمال الفقراء ليسرقا تحويشه العمر التي خبأها في حزام جلدي كان يربطه حول وسطه

لكن اللصين لم ينعما بالروبلات القليلة التي سرقاها فقد رآهما الكلبان الكبيران اللذان كانا يشاركان العامل الفقير حياته البيتية المتواضعة وقد أحس الكلبان بمسؤوليتهما إزاء صاحبهما الذي فشلا في حمايته من غدر صاحبيه فليس أقل من أن يوجها لهما اللوم والعتاب بلغتهما الممزوجة بالخيبة والحزن والمرارة ويوجها إليهما أنظار الناس

ولم يتحمل اللصان على ما هم عليه من قسوة لم يحتملا هذا العتاب الكلبي كان العقاب في أقسى من قسوتهما وكان الإصرار عليه أعتى من رغبتهما في الحياة والحرية فلم يملكا سوى الاستسلام ليد الشرطة القيصرية التي لا ترحم فهي على الأقل لا تحمل من نحوهما هذه المرارة التي يحملها الكلبان في حلقيهما

لقد ارتكبا الخطيئة في الظلام والخفاء لكنها أعلنت عن نفسها في وضع النهار وأمام كل العيون وأتما جريمتهما في صمت أو همس لكن صوتهما صار مدويا جبارا يصم الآذان

فالخطيئة لها صوت وإن بدت هامسة وصوتها ينمو حتى يبلغ النضج فيصبح قويا مزمجرا كالبركان تتصدع له أركان القلب

 الخطيئة تصنع الضجيج

فهناك ضجيج الضمائر الثائرة التي لا تهدأ: وهو ضجيج قد لا يسمعه الناس لكنه يندس في أذني صاحبه كمكبر الصوت الدقيق فلا يعود يسمع شيئا مما يدور حوله سوى صوت التأنيب والتبكيت والتهديد واللوم فتضيق به الدنيا على اتساعها

والنوع الآخر من الضوضاء التي تصنعها الخطيئة هو صوت الرغبات المحمومة والشهوات الجامحة والعادات المسيطرة ولها في القلب صوت مدو لا ينفع فيه الهروب أو التخفي

وأمثلة ذالك النوع كثيرة مثل: الحقد فهو ضوضاء فكرية وضجيج لا ينقطع وطنين يستوطن عقل صاحبه والشهوة أيضا ضجيج محموم يصرخ في جسد صاحبه أو عقله والغيرة لها ضجيج يحطم العقل والقلب وتدفع صاحبها إلى حماقات لا يفعلها العقلاء وهكذا

أقسى مصادر الإزعاج

ولعل هذا النوع من الضوضاء يعتبر واحد من أعظم وأقسى مصادر الإزعاج في حياة البشر وتتمثل قسوته في جوانب  كثيرة منها أنه :

ضجيج دائم: فأنت لا تستطيع أن تتخلص منه بالانتقال إلى موقع آخر ولا يمكنك أن تداويه بالترفيه عن نفسك أو بقضاء وقت طيب في خلوة بعيدة فهو ضجيج ينتقل معك كحلمك وعظامك إنها ضوضاء ترافقك أكثر من ظلك

فالظل يختفي في الظلام لكن ضجيج الخطيئة يرقد معك في الفراش أيضا

وضجيج يأتي من الداخل: إنه لا يأتينا من بيوت الجيران لكنه يخرج إلينا من أعماقنا لذالك فهو لا يصدع الرأس فحسب بل يهز أركان القلب إنه ليس نوعا من الألم نداويه بالمسكنات بل هو مزيج من الألم والخوف والضيق واليأس والهزيمة

إن النار إذا اشتعلت في البيت من الخارج يسرع الجميع إلى إطفائها قبل أن تستعر لكنها إذا اشتعلت في الداخل والأبواب مغلقة والستائر مسدلة فإن أحدا لن يطفئها حتى تأتي على البيت بجملته

ضجيج لا نستطيع حتى أن نشكو منه: فنحن حين ينبعث مصدر من مصادر الضوضاء المزعجة نسرع في الاحتجاج وقد نطلب إلى الجيران إيقاف هذا الضجيج وقد نشكو فتتدخل السلطات لمنع الضوضاء التي تحدثها الآلات في مصنع قريب مثلا لكننا حين نواجه الضوضاء المنبعثة من داخلنا لا نملك حتى الاحتجاج ولا نستطيع أن نشكو أحدا لأحد بل علينا أن نتجرع المرارة بلا نقاش

ضجيج نحميه ونتستر عليه: فهو مرآه لسلوكنا ومشاعرنا الخفية التي لا نريد أن يراها أحد من الناس أو يطلع عليها أقرب الأقرباء إن ضجيج الخطيئة العاصف في داخلنا يؤذينا لكننا نحميه ونتستر عليه كذالك الصبي الذي يقبض على سيجارته المشتعلة بكف يده حين يرى أباه قادما من بعيد فالنار تكوي جسده لكنه لا يستطيع أن ينفض منها يده إذ عليه أن يتستر على عمله المرفوض بل وعليه أن يبدو طبيعيا متزنا حتى لا يثير الريبة والشكوك

ضوضاء مدمرة: هناك ضوضاء تدفع الإنسان إلى الانتحار فهي ضوضاء قاتلة وينطبق هذا على هذه الضوضاء التي تحدثها الخطيئة في داخل الإنسان فالرغبة في الانتقام مثلا تسمع هياجا صاخبا في داخل الإنسان حتى لا يستطيع أن يستمع إلى أي صوت آخر وتظل أصوات العقل والحكمة والنصح والتسامح أصواتا هادئة تضيع موجاتها الرقيقة في صخب العواصف الجامحة علو فوقها أصوات القتل والتعذيب والاغتصاب وغيرها إنها كتلك الحشرة الصغيرة التي تشبه النحل تماما وتندس في خلايا النحل حتى تضع بيضها فمتى فقس البيض وخرجت منه اليرقات المدمرة التي تفسد الخلية بجملتها

إنها ضوضاء تحرم الإنسان من موسيقى السلام الداخلي وتستبدل بها أصوات المطارق والمدافع والصواريخ القاتلة فتسلب راحة القلب وانتعاشة النفس

كيف ننجو من ضوضاء الشر؟

هذا الصوت الصاخب الذي ينبعث من داخلنا فيحدث الضوضاء والضجيج القاتل له مصدران:

أولهما: صوت التأنيب والتبكيت على خطيئة أو شر وقعنا فيه في الماضي أو لا نزال نمارسه أو نميل إليه في الوقت الحاضر

وثانيهما: صوت الشهوة التي تدعونا إلى الرضوخ لرغباتنا غير المشروعة هذا الصوت الصاعد إلينا من طبيعتنا الساقطة الكامنة في أعماقنا

وسواء كان هذا الضجيج الذي يزعجنا آتيا من ضمائرنا الثائرة أو من طبيعتنا الساقطة فإننا لا نستطيع أن نهرب منه أو نتجاهله أو نتغلب عليه بالتربية والتدريب والتسامي… الخ فكيف ننجو من هذه الضوضاء الداخلية المدمرة؟

في القصة التي قرأناها في أول هذا المقال نجد أن اللصين لم يجدا مفرا من تسليم نفسهما للشرطة والاعتراف الكامل بالجريمة والاستعداد للعقاب وهذا هو طريق النجاة إنه التسليم ليد العادلة الإلهية والاعتراف بالخطيئة والاستعداد لتلقي العقاب العادل

ومن فضل الله علينا أن العادلة الإلهية لا تطبق القوانين البشرية القاصرة عن إستعياب دقائق الأمور بل هي عدالة حانية تكشف أفكار القلب ونياته وتعرف طبيعتنا الساقطة وتريد أن تخلصنا من هذا الضجيج الذي يحطمنا

لذالك فإن الله يقبل اعترافاتنا في تفهم وحب لا ليسكب علينا اللعنات بل ليغرف الذنوب ويطهر الحياة

وهو إذ يعلم نوازع الشر فينا فإنه يريد أن يهبنا قوة الانتصار بسلطان روحه القدوس الذي يهزم الشر وينتزع حنجرة الخطيئة الصارخة في طبيعتنا الساقطة ويستبدل بها ألحان السلام القلبي

فإذا كنت تحس بضوضاء داخلية بسبب خطيئة حدثت أو بسبب خطيئة تحدث وإذا كنت تحس بضجيج صاخب في أعماقك بسبب رغبة جامحة أو عادة مسيطرة فحاجتك ليست في الهروب بل في الاستسلام الخاضع بين يدي الله والاعتراف بالخطيئة والدعاء له سبحانه وتعالى أن يغلق أذنيك عن ضوضاء الأصوات المضللة ويهبك سمعا مرهفا لصون روحه القدوس الذي يرشدك ويقودك إلى سبيل الخلاص وسكينة القلب

صرخة إنسانية

يا ربنا

لقد تجبرت الخطيئة في داخلي

صار صوتها المدوى في صدري

يقلق راحتي

أعترف إليك أن أًوات الرغبات

الجامحة والشهوات المحمومة

والعادات المسيطرة قد أصبت كل

ما أسمع أما صوتك الوديع الهادئ

فقد أغلقت عنه أذني

أعترف إليك أن محاولاتي الذاتية

ونصائح من حولي من الناصحين

واللائمين والوعاظ لم توقف ضجيج

الشر الصارخ في صدري

إن الضوضاء التي تأتي من الشوارع

الخلفية وبيوت الجيران لا تزعجني

وأنا كفيل بها لكن الضوضاء التي في

داخلي تحتاج إلى روحك القدوس الذي

يحرر أفكاري المستعبدة للخطيئة والشر

فلتشف إذني لتسمع همسات حبك

ولتلمس قلبي بمسحة من روح

قدسك

ولتكشف لي طريق النجاة بنور

هديك

يا رب

 

للشر ضجيج لا يتحمله حتى الجبابرة
للشر ضجيج لا يتحمله حتى الجبابرة

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟