تأملات القراء

بماذا نمتاز كمؤمنين؟

إن التنافس هي طبيعة بشرية طبيعية ينشأ الإنسان عليها؛ فالبعض يتنافس ماديًا ويريد أن تكون له ثروة أكبر؛ والبعض يتنافس أكاديميًا ويحصِّل شهادات أعلى؛ والبعض من ناحية شكلية. ويوجد من يتنافس أيضًا على تعظم معيشته: سيارة أفخر، ملابس أجمل، تلفون أحدث، بيت أكبر وأفخم، حاسوب أفضل …إلخ. أيضًا من ناحية روحية، فكنائسنا مليئة بالتنافس؛ يوجد تنافس بين الخدام أيهما عنده أعضاء أكثر؛ أيهما حقق إنجازات في الخدمة أكبر؛ أيهما عِظاته أقوى؛ أيهما له إسم أشهر…إلخ.

لقد عاش تلاميذ المسيح في نفس الحالة التي نعيشها اليوم كبشر؛ فموضوع مَنْ منهم أعظم، كان أحد المواضيع التي شغلتهم (لوقا ٩: ٤٦)؛ وطالما تجادلوا فيما بينهم حول هذا، حتى أنهم في الليلة الأخيرة تشاجروا على من سيكون أعظم (لوقا ٢٢: ٢٤). وبطرس نفسه أراد أن يثبت للمسيح أنه يمتاز على جميع التلاميذ، بشجاعته وإخلاصة له، قائلاً: “… وان شك فيك الجميع فانا لا اشك أبدا” (متى ٢٦: ٣٣).

فإذا أردنا أن نكون مميَّزين، يجب أن ندرك أمرين هامين:

الأول: نمتاز بمقدار محبتنا للرب، وليس بمقدار إنجازاتنا ومؤهلاتنا:

طبعًا طالما علَّمهم المسيح أن الأعظم يجب أن يكون كالخادم والآخر؛ لكن بعد قيامته ولقاءه مع بطرس عند بحيرة طبريا، عمل انقلابًا في مفاهيم بطرس من جهة تميزه عن باقي التلاميذ؛ حيث قال له:
” …يا سمعان بن يونا، أتحبني اكثر من هؤلاء؟..” يوحنا ٢١: ١٥.

إذًا، النقطة الأولى التي أبرزها المسيح لبطرس هي: إن خدمته للمسيح لا تميِّزه، ولا شجاعته، ولا عمله، ولا مؤهلاته، ولا نجاحه، بل مقدار محبته للمسيح. وإذا أراد أن يكون أعظم من التلاميذ، يجب أن يحب المسيح أكثر منهم، لذلك قال له يسوع: “أتحبني اكثر من هؤلاء؟”

فإذا أردنا أن نكون أعظم، فلنتنافس على من يحب المسيح أكثر.

والأعمال التي يطلبها الرب، هي أعمال تنطلق من محبتنا له، وليس العكس. أي أن العمل لا يقودنا إلى محبة المسيح، بل محبة المسيح بالروح القدس هي التي تثمر بأعمال وخدمات تمجده. وهذا ما قاله الرب لكنيسة أفسس:
” ٤ لَكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى. 5 فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى” رؤيا ٢.

“إعمل الأعمال الأولى”، لا تعني أن يتذكر الإنسان ماذا كان يعمل بالماضي للرب، ويرجع ويكرر نفس الأعمال. بل تعني أن يرجع ويعمل الأعمال الأولى، التي كان يعملها كنتيجة بديهية وتلقائية لمحبته للرب.

الثاني: التحرر من “ما” يميِّزني، والتمتع بـ “مَنْ” يميزني:

لقد تصارعت كنيسة كورنثوس في نفس القضية، التنافس في التميُّز؛ لذلك قال لهم بولس:
” ٦ فَهَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ حَوَّلْتُهُ تَشْبِيهاً إِلَى نَفْسِي وَإِلَى أَبُلُّوسَ مِنْ أَجْلِكُمْ لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا فِينَا أَنْ لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ كَيْ لاَ يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ.” ١ كورنثوس ٤.
وفي الآية التي تليها، يقدم الوحي انقلابًا فكريًا لم يتوقعه المؤمنين، ويقول:
” ٧ لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟…”

إن الوحي هنا يحول تفكير المؤمن من “ما يُميِّزُني” إلى “مَنْ يُميِّزُني”. “ما يُميِّزُني” يقتصر على إنجازاتي ونجاحي؛ ويسلِّط الضوء عليّ أنا؛ أمَّا “من يُميِّزُني”، فهو متمحور حول شخص المسيح، ويسلط الضوء على الرب يسوع المسيح الذي يميزني.

لذلك عندما أمتلئ برؤية واحدة فقط، بسيطة، وهي أن يمتلئ قلبي كل يوم بحب أكبر وأكبر للمسيح. عندها سيحصرني فكري دائما بالرب الذي يميزني، وليس بما يميزني. عندها سأتحرر من صراع التنافس البشري المرير، وأمتلئ بسلام الرب الذي يقبلني كما أنا لأنه يحبني؛ ومن ثم يغيِّرني ويستخدمني ويميزني بمسحة خاصة لمجده.

بماذا نمتاز كمؤمنين؟
بماذا نمتاز كمؤمنين؟
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟