مبادئ إنسانية

الإيمان ينقل الجبال

الإيمان ينقل الجبال

أنت تسير وفوق رأسك جبل

وأنا أيضا أحمل جبلا مثلك

ومن الناس من يحمل جبلين أو ثلاثة

لذالك نحن نتحرك ببطء ونصعد بصعوبة ولا نستطيع أن نطير فالأحمال الثقيلة تحنى ظهورنا وتثقل خطانا ونحن نحتاج إلى أن نزيح عن كاهلنا تلك الجبال الثقيلة حتى ننطلق في حياة سعيدة

ولعل أولى الخطوات نحو ذالك محاولة كشف تلك الجبال التي نحسها ونرزح تحتها وإن كنا لا نراها رؤية العين

جبال الكآبة الزرقاء

قليلون هم الذين يحسون بسعادتهم ويستمتعون بما لديهم من أسباب الهناء لذالك فكثيرون هم الذين يحملون جبل الاكتئاب

وجبل الاكتئاب جبل له أجنحة

يرتفع بها ثم ينقض على ضحاياه الذين ينتقيهم من مرهفي الحس غير المؤهلين للعلاقات الاجتماعية وغير القادرين على مجابهة التعامل مع الناس في شئون الحياة اليومية فبينما يكون المرء منتشيا سعيدا
إذا به يتعثر في طريقه أمام كلمة عابرة أو عمل برئ يستشف منه إساءة له وانتقاضا لشأنه وسرعان ما تتساقط الأحجار فوق رأسه ويجثم الجبل على كتفيه ويستبدل الكآبة بالسعادة

والغريب أن هذه الظاهرة آخذة في الازدياد فالتقارير تتوالى من كل مكان لتكشف عن انتشار تلك الظاهرة بين الطلبة في معاهدهم والعمال في مصانعهم بل وبين أفراد الأسرة الواحدة إذ كثيرا ما تختفي السعادة من قلب أفراد متحابين وتحل الكآبة على البيت لأسباب تافهة للغاية

وصحيح أن لكل واحد مزاجه وحالته المعنوية التي تعلو وتتحسن تارة ثم تسوء تارة أخرى في دورات متعاقبة

إلا أنه بوسعنا أن نحتاط لتلك الأزمات لتتباعد فترات هجومها

ونحن نحتاج إلى قوة إلهية تساعدنا على السيطرة على مشاعرنا ونحتاج إلى لمسة إلهية شافية تطيب خواطرنا وترفع عن كاهلنا جبل الكآبة المتربص بنا فتمتلئ أجواؤنا بالابتسام

جبل اليأس الأسود

إذا كان جبل الكآبة جبلا ذا أجنحة سريع الانقضاض سريع الهروب فإن جبل اليأس على النقيض فهو جبل ثقيل بغيض قاتم الأحجار مملوء بالكهوف والمتاهات المظلمة إنه لا يكتفي بحنى ظهورنا  لكنه يطرحنا لتلتصق بالأرض رءوسنا

إنه يفرد شعابه السوداء ليحجب الشمس عن عيوننا

فقد نحس أحيانا إحساسا عميقا بالفشل ولا نستطيع أن نواجه الموقف بشجاعة فإذا ما استسلمنا خيمت سحب الفشل والاكتئاب على نفوسنا وازدادت وطأة الألم

وهذا الإحساس بالفشل والإحباط يبدأ من حدث غير متوقع يصدمنا كضياع فرصة لكسب أو نجاح أو فقدان عزيز أو إصابة بمرض مزمن أو وقوع في حاجة شديدة وعندئذ نتوتر وتقل مقدرتنا على استجلاء الأمور وتقنينها ويجثم جبل اليأس الثقيل على صدورنا وتتداعى أحجار الحزن والفشل

والمؤسف هنا أننا نصل إلى دركات اليأس لأننا نظن أننا قادرون على حل مشكلاتنا الذاتية بمفردنا ونؤمن بذالك إيمانا صارما بناء على تجارب لنا سابقة لكن هذا لا يمنع احتمال ترضنا لمشكلات أكبر من أن نتغلب عليها بمفردنا عندئذ لابد لنا من يد رحيمة تنشلنا من بئر اليأس

وهناك دائما أناس طيبون يحاولون بكلماتهم الرقيقة أن يرفعوا بعض الأحجار من جبل اليأس الجاثم على غيرهم لكن أيدي البشر رقيقة معذبة وكواهلهم مثقلة أيضا وكلماتهم عاجزة وهم يضيفون أحيانا أكثر مما يرفعون لكن الإيمان بالله وحده الذي يدحرج الأحجار جميعها وينتقل الجبال إن نور الله يضيء الطريق ويمنح الأمل والوقوف بين يدي الله يعطي أضعاف العزاء الذي يقدمه أخلص البشر فالإيمان برحمة الله ينقل الجبال

جبل الحقد الأصفر

وهناك أيضا جبل الحقد الأصفر جبل الكراهية والنقمة

وهذا الجبل غريب على الحياة الإنسانية لأن الحيان لم تصنع للبغضاء بل للحب لذالك فإن الذين يقعون تحت حمل هذا الجبل يتأثرون جسديا وعقليا وروحيا واجتماعيا

ولعل التأثيرات الضارة للحقد على أجساد ضحاياه أصبحت الآن معروفة كحقيقة علمية تفسر الكثير من مظاهر المرض التي لم تكن معروفة الأسباب قبل إدراك ارتباطها بروح الحقد والكراهية فقد ثبت أن عملية الهضم مثلا تضعف إن لم تتوقف كلما استشاط الإنسان غيظا فمن بين جماعة أصيبوا بالتهاب الأمعاء الغليظة اعترف 80 في المائة منهم كانوا يخفون أحقادا ضد رؤسائهم أو أناس آخرين أو ضد الحياة بصورة عامة

وهذا ليس غريبا: فإن الجسد مصنوع بحيث يلائم النوايا الحسنة لا السيئة لذالك يتعرض الحاقدون لقرحات المعدة وارتفاع الحموضة وسوء الهضم وغير ذالك من الأمراض التي تؤكد أن الحقد والضغينة يصنعان اضطرابا وظيفيا في الجسم البشري

وجبل الحقد يحطم العقل أيضا وقد نجد مثالا واضحا في حياة جوبلز الذي كان وزيرا للدعاية للحكومة النازية في ألمانيا

وكان كاتبا قديرا وخطيبا قويا لكنه كان يزرع الكراهية والحقد وقد أرتد حقده على نفسه فقتل نفسه أيضا لكن الأهم من ذالك ما حدث لهيئة مكتبه فقد قال أحد مساعديه لمراسل أمريكي” إن عملي رديء جدا في نظري والكتابات التي نرسلها كئيبة وهيئة الموظفين في المكتب تعيش في حالة انفعال دائم والانهيارات العصبية أصبحت مألوفة وهناك بضع إصابات بالجنون وثمة مخلوقات بشعة تقضم نفوسنا باستمرار وإني على يقين أن هذه المخلوقات إنما هي من صنعنا “

فالعقل الذي لم يصنع للحقد أنهار تحت وطأة الكراهية إن الحقد نوع من السموم المكلفة فهو مصنوع من دمنا وصحتنا ونومنا وثلثي محبتنا وهو قادر على استهلاك الحياة بجملتها

إن الرغبة في الانتقام المتولدة عن الحقد تتركنا في حالة من الخيبة والضلال لكن الإيمان بلله وقدرته أن يعطينا ما نستحقه وينتصر لنا ويكفئنا هذا الإيمان وحده يحرك جبل الحقد ويعطينا سلاما متجددا واحتراما  لذواتنا وشفاء لجراحنا وحبا حتى لأعدائنا

جبل الخطايا

أما هذا الجبل فهو أبو الجبال جميعها وأصلها فجبال الكآبة الزرقاء وجبال اليأس السوداء وجبال الحقد الصفراء جميعها لجبل الخطيئة الثقيل

تحدث أحد الكتاب إلى واحد من السجناء الذين يعملون في قطع الأحجار وحملها كان الرجل بتصبب عرقا ويلهث تخت حمله الثقيل فقال الرجل ” إن كان ما أحمله الآن ثقيلا للغاية فإنه لا يقارن بما يجثم فوق صدري من جراء ما اقترفت يداي”

فما أثقل الذنوب وما أقسى وطأة الإحساس بها إنه جبل لا تحطمه معاول الندم ولا تذيبه الدموع ولا توهنه الأيام ولا تخفف من ثقله الأيادي البيضاء التي تفعل الخير

شيء واحد فقط يزحزح جبل الخطيئة وعبئه الثقيل إنه الإيمان

الإيمان بقدرة الله أن ترفع عنا آثام خطايانا التي تؤرقنا وتقض مضاجعنا

الإيمان برحمة الله الذي يريد أن يخلصنا من حمل خطايانا

إنه الإيمان بغفران الله الذي لا يشترى بالمال أو الأعمال الصالحة لكنه يوهب من فضل الله لمن يلتمس عفوه في اتضاح وثقة كاملين

إنه الإيمان بمحبة الله المجردة لأبناء البشر جميعا

لكنا نحتاج أن يكشف الله لنا الطريق إلى راحة النفس الكاملة بين يديه فنرتفع بأرواحنا فوق جبال الكآبة واليأس والحقد والخوف والغضب ولا تؤرقنا أشباح خطايانا ولا تخجلنا ملابسنا الملطخة بالعار

دعونا نتلمس من الله هذا الإيمان الذي ينقل الجبال

 

الإيمان ينقل الجبال
الإيمان ينقل الجبال

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟