مبادئ إنسانية

أضبط دقات قلبي على إيقاع حبك

46 مبادئ إنسانية :

الاتزان الروحي لا يتحقق بمحاولاتنا البشرية

لكنه يتحقق بقوة من السماء

بعد رحلة شاقة في أورقة البحث استطاع الباحث العلمي الشاب أن يستكمل دراسته للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة وتحدد يوم الامتحان وهو يوم مرتقب في حياة كل من يطلب العلم فهو أول الطريق إلى القمة وهو فرحة الأهل والأبناء والأصدقاء

غير أن حدثا طارئا عطل اكتمال الفرحة بعد أن كانت على الأبواب فالباحث يقيم بأحد البنايات التي يملكها تاجر كبير  بالمدينة وهو أي التاجر يسكن بذات البناية أيضا وحدث أن لصا تسلل إلى شقة التاجر فسرق كمية من المجوهرات الخاصة بزوجة التاجر وابنته وهي مجوهرات ذات قيمة مادية وتاريخية عظيمة

وقامت قوات الشرطة بتشكيل فرق البحث التي انتهت إلى اتهام الباحث طالب الدكتوراه بالسرقة فقامت الشرطة بضبطه حيث اعترف بجريمته وتم استعادة المصوغات التي كانت قد بيعت بأقل من نصف الثمن

ويقول الخبر الحزين بالصحف أن النيابة أمرت بحبس العالم الكبير بناء على اعترافه بالسرقة

إذا صحت هذه القصة الأليمة التي تبدو صعبة التصديق فإننا نكون أمام حالة صارخة من تلك الحالات التي تشير إلى خلل واضح وانحراف شديد في مسيرة إنسان ناجح فنحن أمام إنسان يتجه علميا إلى القمة ويسير إليها بخطوات ثابتة ومتزنة بينما تتعثر خطواته سلوكيا إلى حد السقوط في الجريمة

هل يمكن أن يتأرجح الإنسان بهذا العنف بين القمة والحضيض؟

ألا يستطيع الإنسان أن يحقق شيئا من التوازن بين رغباته الدنيا وتطلعاته السامية؟

هل يستطيع الإنسان أن يتوازن اعتمادا على قوته الإنسانية فقط أم يحتاج الإنسان أن يدعم إرادته بقوة أخرى؟

ومن هو الإنسان المتزن؟ هل هو ذالك الإنسان الهادئ دائما الصامت دائما المبتعد دائما عن صخب الحياة؟ أم هو ذالك السوبرمان الذي يقف داما على القمة فلا يسقط ولا يهتز؟

ما هي صورة الاتزان التي نقيس عليها ونقيم بها شخصياتنا؟

الميزان والسفينة

هناك صورتان تعبران عن معنى الاتزان؟

الصورة الأولى هي صورة الميزان:

فالميزان جهاز بسيط له كفة واحدة أو كفين وله مؤشر يتحرك أمام أرقام واضحة وعند استخدام الميزان أي عندما يتعرض هذا الميزان الساكن لمقاومة ما فإن المؤشر يتذبذب في اتجاهين متضادين لفترة قصيرة ثم يثبت مشيرا إلى وضع ثابت حينئذ نقول هذه حالة اتزان

وهذه الصورة تمنحنا تعريفا جيدا

فالإنسان المتزن هو ذالك الشخص الذي له في حياته قاعدة مستقرة وقيم واضحة وله في كل موقف مؤشر ثابت وواضح

فالإنسان المتزن يتعامل مع الظروف ويقدر موقفه منها فلا تهتز قواعده ولا تختلف تقديراته ولا يظل يتذبذب أمامها لفترات طويلة فالاهتزاز بقدر الصدمة ومن بعدها ثبات متزن

وهذه هي الصورة الأولى

 والصورة الثانية للاتزان هي صورة السفينة في البحر:

هناك اختلاف كبير بين شكل القارب الصغير في البحر وبين السفينة فالقارب تدفعه الأمواج وتضربه فيهتز ويميل ويستمر طوال رحلته في الماء مضطربا بقدر ضراوة الريح والموج أما السفينة فهي لا تعبأ بقوة الموج وهي قادرة على شق البحر والخوض في الضباب وتستطيع بفضل آلاتها ومحركاتها الداخلية أن تستمر في مسارها المحسوب رغم المعوقات والمؤثرات السلبية والعوامل المضادة

هذه الصورة من الاتزان تختلف عن الصورة الأولى صورة الميزان تختلف عن الصورة الأولى صورة الميزان فالميزان يمثل الاتزان في حالة الثبات والسفينة تمثل الاتزان في حالة الحركة

أسوأ صور الاتزان

ولكن الاتزان له صورة أخرى سيئة وخاطئة ومضللة ومنها:

1 التزام الصمت والسكون

فنحن أحيانا نرى شخصا وقورا يجلس صامتا كتمثال أبي الهول لا يتأثر بالأحداث ولا يشارك فيها فيلفتنا ثباته ونقول إنه رجل وقور ومتزن

والحقيقة أن الاتزان ليس مرادفا للصمت أو للجمود فالإنسان لم يخلق ليكون جبلا أو صخرا بل خلق ليتجاوب مع نبض الحياة ويهتز مع أحداثها ثم يحدد في كل لحظة مؤشراته ويحقق ثباته

وهناك صورة أخرى خادعة للاتزان هي:

2 الالتزام بخط الوسط:

يلتزم الكثيرون بفكرة أن خير الأمور الوسط وهي قاعدة تضمن السلامة في أغلب الأحيان لكنها في ذات الوقت صورة مضللة للاتزان فليس الاتزان هو الالتزام دائما بخط ابتعاد النجاة

إن التمسك بالوسط دائما يفقد الإنسان روح المبادرة وروح المغامرة وروح المصارحة وروح المواجهة مع المواقف

التمسك بالوسط يحرم صاحبه من اختبار الحياة ويجعله على هامشها المهمل

الشخصية المتزنة شخصية دينامكية تعمل بوحي من مؤشرات ذاتية ومقاييس مضبوطة وتسبح في كل المسارات وتواجه كل المواقف تهتز قليلا ثم تحقق توازنها وثباتها

أوجه الاتزان

تتنوع أوجه الاتزان في حياة البشر

فهناك الاتزان الجسماني الواضح وهناك الاتزان العاطفي والاتزان الروحي…الخ وهي أوجه كثيرة تمثل في جملتها الشخصية المتزنة

الاتزان البدني:

هو أوضح صور الاتزان  ولعلنا نذكر طائر البشاروش الذي يسير على ساقين دقيقتين كالقلم الرصاص ويخطو بهما في خطوات متزنة كلاعب السيرك والطريف أنه حين ينام يكتفي بالوقوف على ساق واحدة تحمل جسده الضخم وسبحان الله

الاتزان العقلي:

وهو القدرة على التقيد بالمنطق السليم والفطرة الصحيحة بلا جموح أو شرود أو شطط ومن مظاهر الاتزان العقلي أن لا يناقض الإنسان ذاته ولا يتخبط في أحكامه

الاتزان العاطفي:

هو توازن الميول واعتدالها فلا يبلغ أحدها درجة من الشدة تستطيع معه أن توجه العقل والإرادة وكثير من قصص الحب تعكس نوعا من اضطراب العواطف التي تكشف قصورا في الاتزان العاطفي

الاتزان الروحي:

في فلسفلة الأخلاق نعرف أن المذهب الروحاني هو مذهب من يرى أن الفرد والمجتمع يهدف إلى غايتين: تتعلق إحداهما بالحياة المادية وتتعلق الأخرى بالحياة الروحية وتتعارض هاتان الحياتان كثيرا

وفي حياتنا العملية نكشف أن ميولنا المادية تطغى علينا وتجذبنا إلى تحقيق شهواتنا وتبعدنا عن نقاء الروح ومع الأيام تتعمق جذورنا الجسدية وتمتد في أرض الشهوة فتمتلئ أفكارنا بمطالب الجسد وتضعف إرادتنا فلا نستطيع تحقيق الحياة الروحية السامية التي ترفعنا إلى آفاق الروح وتربطنا بالله

ولعلنا نعرف عن أنفسنا أشياء كثيرة لا نستطيع أن نعللها إلا باعتراف بأن حياتنا ليست متزنة روحيا وأننا في حالة من التذبذب المستمر بين رغبات  الجسد وتطلعات الروح أجسادنا جائعة وأرواحنا جائعة أيضا ومحاولاتنا فاشلة في تحقيق الاتزان

من يضبط حياتنا؟

قال أحدهم أنا أعرف الخير وأعرف الشر أنا أميز بين الجيد والردئ وأريد أن أفعل الخير لكنني بينما أحاول ذالك أجد نفسي تحت سيطرة الشر وهذا يحيرني فإرادة الخير موجودة في عقلي  لكن هناك قوة أخرى في داخلي تعوقني وأنا في النهاية أفعل ما لا أريد

هذه كلمات رجل  صادق مع نفسه ومع الله وقد حول كلماته إلى صلاة حين أعترف بعجزه وطلب إلى الله أن يملأه بقوة روحية من خارج ذاته تستطيع أن تتصدى لميوله الجسدانية

إن الإنسان قد يحقق توازنا عقليا أو عاطفيا أو نفسيا لكن انتصاراته الروحية لا تحقق بإمكاناته البشرية فهي تحتاج إلى قوة من روح الله فروح الله وحده يستطيع أن يحلق بنا في مدارات مرتفعة فوق جاذبية الشهوات الأرضية التي تحكم حياتنا

إذا كنت تريد أ، تحقق توازنا روحيا تتصالح به مع ذاتك ومع السماء؟ فأترك محاولاتك الذاتية وأطلب إلى الله أن يلتقطك من دوامة العبادة الشكلية ويضعك على أجنحة الروح القوة الروحية المنتصرة

صرخة إنسانية

يا رب

أنا قارب تائه

في بحر واسع ليس له قرار

يرفعني الموج ويرميني

يدفعني في تياراته الجارفة

اضطربت حياتي

وتكسرت فوق الأمواج مجاديف قاربي

ولم يعد أمامي غير انتظار رحمتك

ورحمتك واسعة غنية

اليوم

ألقي مجاديفي المحطمة

أبطل محاولاتي الفاشلة

أسلم بين يديك قلبي وقاربي

فالتقطتني من فشلي واضطرابي وضعفي

وأبعث في قوة من  روحك

تبدد خوفي وتخبطي

أمسك يدي المرتعشة

أصعدني فوق الأمواج

امنحني خطوة ثابتة

وأقداما راسخة

ثبت على طريق الحق خطوتي

وأضبط دقات قلبي على إيقاع حبك

امنحني حياة جديدة

ثابتة واثقة متزنة

فلا يعود يمزقني الضياع

يا رب

أضبط دقات قلبي على إيقاع حبك
أضبط دقات قلبي على إيقاع حبك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟