مبادئ إنسانية

أريد مصالحة مع نفسي الناقمة

43 مبادئ إنسانية :


إذا أردنا أن نقضى على روح العداوة والعنف

فلنبحث عن لمسة روح الله فهي طريق الخلاص

منذ شهور قليلة طالعتنا الصحف بخبر أليم عن جريمة قتل مؤسفة وجميع جرائم القتل مؤسفة لكنها في هذه القصة تثير الأسى لأن القاتل والقتيل ليسا سوى طفلين يدرسان في مراحل التعليم الأولى والقصة المنشورة تقول أن القاتل والقتيل لا يعرف أحدهما الآخر وليس بينهما ثأر قديم وليس بينهما مصالح مشتركة كما أنهما لم يختلفا على شيء ومع ذالك فقد خرج أحدهما سكينا وطعن الآخر في قلبه طعنة قاتلة

كان الطفل القتيل قد سأل الآخر عن شيء ما ربما عن الوقت أو الطريق فأجابه القاتل بطعنته الحمقاء فلما سئل عن السبب قال إن طريقة القتيل في الكلام لم تعجبه

هذه واحدة من القصص الكثيرة التي تبين كيف يمكن أن يتحول المجتمع الطيب الودود إلى مجتمع عنف شديد

إن الاتجاه للعنف مؤشر لأشياء كثيرة لعل أوضحها هو سيطرة روح العداوة والنقمة والخصام على قلوب الناس لقد صار الخصام كالدخان الأسود يتصاعد في الطريق وفي البيت والعمل ويخنق الصفاء والربيع والحب في حياة البشر ومع ضيقنا بالعنف فإننا نلتمس روح المصالحة والود

فكيف يختفي العنف والقسوة؟ وكيف يسود الحب والرضا؟

العنف والشعور بالعداوة

العنف سلوك عدواني يتولد داخل النفس كنتيجة للشعور بالعداوة وقد يتجه هذا الإحساس القاتل وجهات مختلفة فهو قد يوجه ضد الطبيعية فيقوم أحد الأفراد بتحطيم الأشجار أو اقتلاع الزرع أو قطع الزهور أو تخريب المنشأت أو تشويه الأعمال الفنية

وقد يوجه العنف نحو الأفراد فيلحق بهم الأذى أو القتل وقد يتجه العنف نحو جماعة معينة أو قد يتجه نحو المجتمع الإنساني بجملته فيفسد السلام والطمأنينة والحب والرضا

لماذا العنف؟

وللعنف في حياة المجتمع أسباب كثيرة منها:

المؤثرات البيئية: ففي بعض المجتمعات يكون العنف جزءا من البيئة فالناس الذين يعيشون حياة الصراع في البحر مثلا أو صراع الطبيعة في الغابات أو مواجهة أهوال الصحاري والجبال هؤلاء الناس يتأثرون بقسوة المعيشة ويتجهون بصفة عامة إلى التعاملات العنيفة التي تفرضها البيئة

المؤثرات الحضارية: وهناك طبيعية تفرضها روح البداوة والتخلف الحضاري فهي تجعل المبالغة في العنف جزءا ظاهرا من سلوكيات التراجع الحضاري ولعل جرائم الثأر والتنكيل بالعدو والتمثيل بجثث الموتى هي بعض مظاهر العنف في الأوساط المتخلفة حضاريا

سوء التربية والقسوة: كثيرا ما يكون لسوء التربية دخلا كبيرا في خلق روح العداوة والعنف فالطفل الذي يعاقبه أبوه عقابا شديدا بلا ذنب قد يتجه إلى تحطيم لعبته

مركبات الإحباط والفشل: كثيرا ما يكون العنف رد فعل لمشاعر الإحباط والفشل الذي قد يتولد عنه الإحساس بالحقد والرغبة في تدمير الناجحين وكثيرا ما نلحظ مثلا أن رجل أعمال فاشل يتجه إلى الانضمام إلى إحدى المؤسسات الإرهابية أو التخريبية ويتحمس لها ويتبنى أفكارها فهي تنفس عن مشاعر العنف المكبوتة في داخله

ضعف الثقة بالنفس وقصور وسائل التعبير الأرقى: فلقد لوحظ أن أغلب المتجهين للعنف هم من تلك  الطبقات  التي لا تملك استخدام وسيلة أرقى مثل الحوار أو الإقناع وهم عادة لا يملكون الثقة بالنفس ولا يجرؤن على التعاملات المهذبة

عدم الإحساس بالأمان وتولد روح العداوة: فعندما لا تكون صورة المستقبل واضحة للعيان ينتاب الإنسان إحساسا غامضا يشوبه القلق وقد يدفعه لممارسة العنف ومثال لذالك اتجاه أعدادا كبيرة من الشباب إلى عدوانية نتيجة لغموض المستقبل أمامهم في ضوء الظروف الاقتصادية والثقافية والسياسية التي يعيشونها

الرغبة في السطوة وإدخال الرعب في قلوب الآخرين: وهو ما كان يمارسه فتوات زمان فهم يمارسون العنف لإفراغ المجتمع المحيط لضمان فرض السيادة والسيطرة لذالك يقتحمون السرادقات ويحطمون الأضواء ويكسرون واجهة المحلات…الخ فهم يمارسون العنف كوسيلة كسب وابتزاز

الخصام مع النفس والعداء الداخلي: أما أهم أسباب العنف فهو الخصام مع الذات والاحتياج للسلام الداخلي المفقود فالناس يحسون بالتمزق الداخلي وتسكنهم روح الخصام والشجار التي تجعلهم مستعدين دائما للتقاتل لأتفه الأسباب

العنف ضد الذات

بالرغم من أن العنف النابع من الشعور بالعداء يتشكل عادة داخل الإنسان ثم يتوجه نحو المجتمع المحيط إلا أنه أحيانا ينجه نحو الذات ويعمل على تدميرها والانتحار هو أحد صور العنف الموجه ضد الذات

كثيرا من الناس يحطمون أنفسهم ويحطمون مستقبلهم ويحطمون بيوتهم ويتخذون خطوات كثيرة في طريق إيذاء الذات

كيف نوقف العنف؟

هناك كثير من الحلول للحد من العنف منها الردع ومقابلة العنف بالعنف لمواجهة أعمال البلطجة والردع هنا عمل منظم يجب أن تقوم به الجهات الأمنية المتخصصة وليس الأفراد

وهناك وسيلة أخرى لمقاومة العنف وهي مزيد من التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد لمواجهة المؤثرات البالية للبيئات المتخلفة التي زرعت العنف في حياة أبنائها وهناك الإصلاحات الاقتصادية التي تكفل الإحساس بالأمان وتمنح الأمل في الإست قرار فتستقطب بعض أسباب العدوانية في قلوب الشباب

غير أن أفضل ما نحتاج إليه لمعالجة العنف هو المصالحة الداخلية أي مصالحة الإنسان مع ذاته ومصالحة الإنسان مع الله حتى يمتلئ القلب بالسلام والطمأنينة والهدوء ويختفي التوتر والقلق والعنف

المصالحة

منذ عرف الإنسان الخطيئة والعصيان وهو يعيش في حالة خصام مع ذاته

فالإنسان مخلوق روحي يشتاق بروحه أن يعيش في سلام مع الله ويريد أن يحيا حياة الصلاح والتقوى لكنه بطبيعته الجسدانية يرغب أيضا في إشباع شهواته ورغباته الجسدية

ويحتدم الصراع داخل النفس الإنسانية بين ما تريده ومت تفعله

ويضيق الإنسان بعجزه التام عن تحقيق الحياة الروحية أو ممارسة السلوكيات الحية فهو يريد الحياة النقية الطاهرة لكنه يتردى في أفكار شهوانية ساقطة وهو يريد مثلا أن يمنح ويعطي لكن أنانيته تجعله يقبض يده عن العطاء وهو يريد أن يسامح ويغفر لمن يسئ إليه لكنه لا يستطيع لأن كبرياءه وتعاظمه يدفعانه للخصام والمشاحنة وهكذا يواجه الإنسان في كل يوم ضعفه وقصوره وينتهي به الأمر إلى خصام مع النفس وإبعاد عن الله

ثم يستسلم الإنسان لنوازعه الطبيعية ويتغذى على الأنانية والغيرة والتحزب والحقد والحسد..الخ ويفتقد الإنسان تماما سلام القلب وطمأنينة النفس

وعندما يكون الإنسان في خصام مع ذاته فإنه يكون سريع الغضب سريع الشكوى سريع الخصام مع الآخرين عنيفا في مواجهة الناس عنيفا في ردود فعله للحوادث يصرخ وينفعل بأكثر كثيرا مما يستحقه الموقف يكيل الاتهامات للآخرين ويتوعدهم…الخ

إنها حالة الخصام مع النفس التي تنعكس على سلوكيات صاحبها فماذا يحتاج الإنسان ليتصالح مع ذاته؟ إنه يحتاج إلى علاج الضعف الأساسي الذي أدى إلى الصراع الداخلي

يحتاج الإنسان أن يحصل على لمسة إلهية تشفيه من سلطان الجسد والشهوة

ويحتاج الإنسان أن يحصل على مغفرة إلهية تمحو أثار الخطيئة

ويحتاج الإنسان أن يحصل على قوة إلهية تسانده على مواجهة طبيعته الجسدية

ويحتاج الإنسان أن يحصل على سلام إلهي يغمر قلبه بالرضا فيوقف توجهاته إلى العنف

ويحتاج الإنسان أن يحصل على يقين إلهي أنه قد صار مقبولا عند الله فتطمئن روحه

ويحتاج الإنسان أن يحصل على مصالحة إلهية تمنحه القيمة والرضا والحب فيتصالح مع ذاته ومع الناس

إن الإنسان مخلوق روحي له روح تبحث عن الله فإذا لم يجد الطريق الصحيح فإنه يتحول إلى بحر صاخب لا يهدأ عنيف لا يستقر قاس لا يرحم ناقم لا يرضى

إذا أردنا أن نقضى على روح العداوة والعنف فلنبحث عن طريق الخلاص لمسة روح الله التي تشفى وتطهر وتغفر وتقوى وتملأ الحياة بالسلام والرضا

صرخة إنسانية

يا رب

في داخلي ثورة وضجيج

وفي قلبي رغبات جامحة

كثيرا ما تتملكني روح عداوة وقسوة

وكثيرا ما تسيطر على روح خصام وعنف

وكثيرا ما أسكب غضبي ونقمتي على كل الناس

 إن نفسي الثائرة توجهني إلى العنق

وروحي القلقة تدفعني إلى الخصام

صرت كبحر هائج لا يهدأ

صرت كبركان ثائر لا يخمد

وقد عرفت السبب

إن نفسي تائهة بلا طريق

أريد مصالحة مع نفسي الناقمة

أريد أن تمنحني السلام والرضا

أريد أن تفيض بسلامك في قلبي

أريد أن تهدني إلى طريقك وحقك

امنحني أن أعرفك

امنحني أن أعبدك

أمنحني أن أطيعك

امنحني أن أميز قصدك

وأن أفهم إشارتك

وأن أتحرر من الزيف

وأن التصق بالحق

أنتزع من حياتي نيرات العنف

وأسكب في قلبي ينابيع الحب

يا رب

أريد مصالحة مع نفسي الناقمة
أريد مصالحة مع نفسي الناقمة

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× كيف لي ان اساعدك ؟